أجارتنا ما بالْهوان خفاءُ – بشار بن برد

أجارتنا ما بالْهوان خفاءُ … ولا دُون شخْصي يوْم رُحْتُ عطاءُ

أَحِنُّ لِمَا أَلْقَى وإِنْ جئْتُ زائراً … دُفعتُ كأنِّي والعدوّ سواءُ

ومَنَّيْتِنَا جُودا وفيكِ تثاقل … وشَتَّانَ أَهلُ الجُودِ والْبُخَلاءَ

على وجهِ معروفِ الكريمِ بشاشة ٌ … ولَيْسَ لِمَعْرُوفِ الْبَخِيلِ بَهَاء

كأنَّ الذي يأتيكَ منْ راحتيهما … عروسٌ عليها الدُّرُّ والنُّفساء

وقد لمتُ نفسي في الرباب فسامحتْ … مرَارا ولكن في الفؤاد عِصاء

تحمَّلَ والي «أمِّ بكر» من اللوى … وفارق من يهوى وبُتَّ رجاء

فأصبحت مخلوعاً وأصبح … بأيدي الأعادي، والبلاء بلاء

خفيت لعينٍ من ” ضنينة َ” ساعفتْ … وما كان منِّي للحبيب خَفَاء

وآخر عهد لي بها يوم أقبلت … تهادى عليها قرقر ورداء

عشية قامت بالوصيد تعرضا … وقام نساء دونها وإماء

من البِيضِ مِعْلاقُ القُلوبِ كأنَّما … جرى بالرُّقى في عينها لَكَ ماء

إِذا أسفرت طاب النعيم بوجهها … وشبه لي أن المضيق فضاء

مريضة ُ مابيْن الجوانح بالصِّبا … وفيها دواءٌ للْقُلُوبِ وداء

فقلتُ لقبٍ جاثمٍ في ضميره … ودائعُ حبٍّ ما لهنَّ دواءُ:

تعزَّ عن الحوراء إنَّ عداتها … وقدْ نزلتْ «بالزَّابِيَيْنِ» لفاءُ

يمُوتُ الهوى حَتَّى كأنْ لَمْ يَكُنْ هوًى … وليس لما استبقيتُ منكَ بقاء

وكيْف تُرجِّي أُمَّ بكْرٍ بعيدة ً … وقدْ كنت تُجفى والبيوتُ رئاء

أبي شادنٌ ” بالزَّابينِ” لقاءنا … وأكْثرُ حاجات المُحبِّ لقاء

فأصْبحْتُ أرْضَى أنْ أعلَّلَ بالمُنى … وما كان لي لوْلاَ النَّوالُ حَزاء

فيا كبداً فيها من الشوق قرحة ٌ … وليْس لها ممَّا تُحبُّ شِفاء

خَلا هَمُّ منْ لا يَتْبعُ اللَّهْوَ والصِّبَا … وما لهُموم العاشقين خلاء

تَمَنَّيْت أنْ تَلْقَى الرَّباب ورُبَّما … تَمَنَّى الفَتَى أمراً وفيه شَقَاء

لَعَمْرُ أَبِيها ما جَزَتْنَا بِنائلٍ … وما كان منْها بالوفاءِ وَفاءُ

وخيرُ خليليك الَّذي في لقائه … رواحٌ وفيه حين شطَّ غناءُ

وما القُرْبُ إِلاَّ لْلمقرِّب نفْسَهُ … ولو ولدتهُ جرهمٌ وصلاءُ

ولا خيرَ في ودِّ امرئ متصنِّعٍ … بما ليْس فيه، والْوِدادُ صفاء

سَأعْتِبُ خُلاَّني وأعْذِرُ صاحبي … بما غلبتهُ النَّفسُ والغلواءُ

وما ليَ لا أعفُو وإِنْ كان ساءَني … ونفْسي بمَا تَجْنِي يَدَايَ تُسَاء

عتابُ الفتى في كلِّ يومٍ بليَّة ٌ … وتقويمُ أضغانِ النِّساء عناء

صبرتُ على الجلَّى ولستُ بصابرٍ … علَى مجْلسٍ فيه عليَّ زِرَاء

وإِنِّي لأَستَبْقِي بِحِلْمي مودَّتِي … وعندي لذي الدَّاء الملحِّ دواءُ

قطعْتُ مِراءَ الْقوْمِ يوْم مهايلٍ … بقوْلي وما بعْد الْبَيَان مِرَاءُ

وقدْ عَلِمَتْ عَلْيَا رَبيعَة َ أنَّني … إذا السَّيفُ أكدى كانَ فيَّ مضاءُ

تركتُ ابنَ نهيا بعدَ طولِ هديرهِ … مصيخاً كأنَّ الأرضَ منهُ خلاءُ

وما راحَ مثلي في العقاب ولا غدا … لمستكبرٍ في ناظريه عداءُ

تزلُّ القوافي عنْ لساني كأنَّها … حُماتُ الأَفَاعي ريقُهُنَّ قَضَاء