أبادَ حياتي الموتُ إن كنتُ ساليا – عبدالجبار بن حمديس

أبادَ حياتي الموتُ إن كنتُ ساليا … وأنتَ مقيمٌ في قيودكَ عانيا

وإنْ لمْ أُبارِ المُزْنِ قطرا بأدمعٍ … عليكَ فلا سُقيتُ منها الغواديا

تعريتُ من قلبي الذي كان ضاحكاً … فما ألْبَسُ الأجْفانَ إلا بواكيا

وما فرحي يومَ المسرّة ِ طائعاً … ولا حَزَني يوْمَ المساءَة ِ عاصيا

وهل أنا إلاّ سائلٌ عنك سامعٌ … أحاديثَ تبْكي بالنّجِيع المعاليا

قيُودُكَ صيغتْ من حديدٍ ولم تكنْ … لأهلِ الخطايا منك إلا أياديا

تعينك من غير اقتراحك نعمة ٌ … فتقطعُ بالابراقِ فينا اللياليا

كشفتَ لها ساقاً وكنتَ لكشفها … تحزّ الهوادي أو تجزّ النواصيا

وقفنَ ثقالاً لم تُتِحْ لط مشية ً … كأنَّك لم تُجْرِ الجفاف المذاكيا

قعاقع دُهمٍ أسهرتكَ وطالما … أنامتْكَ بِيضٌ أسْمرَتْكَ الأغانيا

و ماكنتُ أخشى أن يقال: محمدٌ … يميلُ عليه صائب الدهر قاسيا

حسامُ كفاحٍ باتَ في السجن مغمدا … وأصبحَ من حليِ الرياسة ِ عاريا

وليث حروب فيه أعدوا برقِّه … وقد كان مقداماً على الليث عاديا

فيا جَبَلاً هَدّ الزمانُ هضابَهُ … أما كنتَ بالتمكين في العزّ راسيا

قُصِرَتَ ولمّا تقضِ حاجتِكَ التي … جرى الدهر فيها راجلاً لك حافيا

وقد يعقلُ الأبطالَ خَوْفُ صيالها … ويُحكمُ تثقيف الأسودِ ضواريا

أقولُ وإني مُهْطِعٌ خوفَ صيحة ٍ … يُجيبُ بها كلٌّ إلى الله داعيا

أسَيْرَ جبالٍ وانْتشارَ كواكبٍ … دنا من شروط الحشر ما كان آتيا

كأنَّكَ لم تجعل قناك مَراودا … تَشُقُّ من الليل البهيم مآقيا

ولم تزد الإظلام بالنقع ظلمة ً … إذا بَيّضَ الإصباحُ منه حواشيا

ولم تثن ماء البيض بالضرب آجناً … إذا صُبّ في الهيجا على الهام صافيا

ولم تُصْدِرِ الإلالَ نواهلاً … إذا ورَدَتْ ماءَ النحور صوافيا

وخيلٍ عليها كلّ رامٍ بنفسه … رضاكَ إذا ما كنتَ بالموت راضيا

وقد لبسوا الغدْرانَ وهي تموجّتْ … دروعاً وسلُّوا المرهفات سواقيا

وكم من طغاة ٍ قد أخذتَ نفوسهمْ … وأبقيتَ منهم في الصدور العواليا

بمعترك بالضرب والطَّعن جُرْدهُ … تمرّ على صرْعى العوادي عواديا

مضى ذاك أيام السرور وأقبلتْ … مناقِضَة ً من بعده هي ما هيا

إذِ المُلْكُ يمضي فيه أمرك بالهدى … كما أعلمت يمناك في الضرب ماضيا

وإذ أنْتَ محجوبُ السرادق لم يكن … له كلماتُ الدهر إلاّ تهانيا

أمرٌ بأبوابِ القصور وأغتدي … لمن بانَ عنها في الضمير مناجيا

وأنشد لا ما كنت فيهنّ منشدا … «ألا حيّ بالزُّرْق الرسوم الخواليا»

وأدعو بينها سيّدا بعد سيّدٍ … ومن بعدهم أصبحتُ همّاً مواليا

وأحداث آثار إذا ما غشيتُها … فَجَرتُ عليها أدمعي والقوافيا

مضيتَ حميدا كالغمامة ِ أقشعَتْ … وقد ألْبَسَتْ وشْيَ الربيع المغانيا

سأدمي جفوني بالسهاد عقوبة ً … إذا وقفت عنك الدموعَ الجواريا

وأمنعُ نفسي من حياة ٍ هنيئة ٍ … لأنّكَ حيٌّ تستحقُّ المراثيا