أأبكتْكَ المعاهدُ والمغاني – ابن الرومي
أأبكتْكَ المعاهدُ والمغاني … كدأبك قبلُهنَّ من الغواني
وقفتُ بهن فاستمطرتُ بيني … غياثاُ والتذكُّرُ قد شجاني
فجاد سحابُها تَمْريه ريحٌ … من الزفرات تلحَى من لحاني
أجلتُ بها جُماناً من دموعي … لذكري غير جائلة الجمان
وما إن زلتُ أنعي الصبرَ مِنِّي … إلى ذي خُلَّتي حتى نُعاني
ولم تر مثلَ دمع مستغاث … ولا كزفير صدرٍ مستعانِ
مُعيناً مُغرمٍ إذْ لا معينٌ … نصيرا مُسْلمٍ متظاهران
أعاناني على البُرَحاء لمَّا … أعان عليَّ ثَم العاذلان
عدِمتهما لقد خذلا وضنَّا … هناك برعيتي عمَّن رعاني
ألا أسقي دموعي دارَ ظَبْي … لو اسْتَسْقَيْتُ رِيقتَه سقاني
بِلَى لاسيّما وبيَ اشتفاء … بسحِّي عَبْرَتِي مِمَّا عراني
قَضى حقَّيْنِ في حَقٌ عميدٌ … بكى شجوَ الأحبَّة والمغاني
وداوى قلبَهُ من داء وشَوْق … عراه ففيم لامَ اللائمان
ولكن لا ارتجاعَ لما تقضَّى … فما استشعارُ باقٍ ذِكرَ فاني
وفي هذا الأوان وفي نُهاهُ … شواغلُ عن صِبَى ذاك الأوان
برئتُ من الصبابة ِ والتَّصابي … إلى الغزلان والنفرِ الرواني
وزارية ٍ عليَّ بأن رأتني … من الهزلى حقيراً في السِّمان
صَبرَتُ لها وقلتُ مقال حُرٍّ … إليكِ فإنَّني باللَّه غاني
وليستْ خِسَّة ُ الأجفانِ مِمَّا … يُخَسِّ قيمة َ النَّصْلِ اليماني
وليْسَتْ إنْ نظرتِ بزائداتٍ … حُلى الأغماد في السَّيْفِ الددانِ
فمن يكُ سائلاً ما وجهُ فَخْرِي … فإني فاخِرٌ أدبي زَهاني
ونحنُ معاشرَ الشُّعَراءِ نَنْمي … إلى نسب من الكُتاب داني
وإن كانوا أحقَّ بكلِّ فَضْلٍ … وأبلغَ باللسان وبالبنان
أبُونا عندَ نِسْبتنَا أبوهم … عطاردٌ السماويُّ المكان
أديبٌ لم يلِدْ إلاّ أديباً … ذكيّ القلبِ مشحوذَ اللسان
مليئاً إن توسّم بالمعاني … وفيَّا إنْ تَكَلَّمَ بالبيان
أإخوتَنا من الكتابِ رِقُّوا … عليْنَا من مُغالطة ِ الزَّمان
فإنْ لم تفعلوا وجفوْتمونا … على إثرائِكم فيمن جفاني
فإنَّ أبا الحسين أخا المعالي … طَبيبٌ إنْ تَفَرَّد بي شفاني
طبيبٌ كم شفاني من سَقامٍ … وما جدحَ الدواءَ ولا رقاني
فهلْ يُرْضيهِ شكرٌ أعجزتْهُ … يداه فما له بهما يدان
نعَمْ إنَّ الفتَى سمحٌ تمامٌ … وفي السَّمَحاءِ منقوصُ المعاني
يجودُ أبو الحسين ولا يعاني … منافَسة َ الجِراء كما نُعاني
غدا عن كلِّ مَحْمدة ٍ سَخِيّاً … وليس بها عليه من هوان
ولكنْ همَّة ٌ رَفَعَتْهُ حتى … سمتْ قدماه فوق الفرقدان
وتخفيفٌ عن الإخوان منه … وإنْ هم ثقَّلوا في كل آنِ
ولم تر طالباً للحمد أحْظَى … به من طالبٍ فيه تواني
إذا نامَ الجوادُ عن التقاضي … أتاه الحمدُ يركض غيرَ واني
أعدِّدُ لابن أحمد بن يحيى … مكارمَ غير خاشعة المباني
فتى ً ضَمنَ الصيانة وهي سُؤْلي … فكان ضمانه أملَى ضمان
وآمَننِي تلونَ حالتيْهِ … فكان أمانه أوفى أمان
بل انتقدَ الحياة َ من المنايا … بجودٍ كالجلادِ وكالطعان
قسطْتُ على الزَّمانِ به فأضحى … وقد أعفَى بحقِّي واتَّقاني
فتَى الكتاب نُبْلاً واضطلاعاً … وصدقَ أمانة ٍ وعلوَّ شان
شكرتُ له نداه وإن أراني … نداه تخلُّفي فيما أراني
أنالَ وقلتُ يُعطيني وأثنَى … فما جاريتُهُ حتى شآني
أبرَّ عليَّ إبرارَ المُعادي … وليُّ منه بَرَّ فما اتَّلاني
فلولا أنَّه رجلٌ كريمٌ … لقلتُهناك ممدوحي هجاني
ولولا أنني رجلٌ سليمٌ … لقابلتُ الصنيعة َ باضْطغان
ولو سَخِطَ امرؤ يُولي جميلاً … سَخِطَت وحُقَّ لي ممَّا اعتلاني
وما سَخَطِي على من جاءَ يَجرِي … إليَّ وغبطتي فَرَسيْ رِهان
وما حسدي امرءاً ما زال يُغْرِي … بي الحُسَّادَ وهْوَ علَيَّ حاني
حلفتُ لقد غدا في النَّاسِ فرداً … فليتَ اللَّهَ يُؤْنسُه بثاني
وليتَ اللَّه يغفِرُ لي اشتطاطي … فقد جاز اشتطاط ذوي الأماني
محمد يابنَ أحمدَ يابن يحيى … أخا الآلاءِ والنَّعمِ الحسان
أما لقد ارتَهنْتَ الدهرَ شكري … بعرفكَ غيرَ معتمدِ ارتهان
كما اسْتعبدْتَني وملكت رِقِّي … بلطفك غيرَ معتمد امتهان
وما الرجُل الطليقُ الحُرُّ إلاَّ … أسيرٌ في يدَيْ نعماك عاني
ولا الرجلُ الأسيرُ العَبْدُ إلاَّ … طليقٌ من يدٍ لك وامتنان
بقيتَ بقاءَ ما تبني فإني … أراهُ بقاءَ يذبِلُ أو أَبان