آخر ما حدَّث به المغنِّي – جمال مرسي

1 لحظة

هِيَ لَحظَةٌ

قَد كان يعلمُ أَنَّها مَوتُ بَطِيءْ .

و لَطَالَمَا

خَافَ المُغَنَّى أَن يُدَندِنَ لَحنَهَا

أو أَنْ تَجِيءْ .

لَكِنَّهَا جَاءَت ، و أَتْبَعَهَا سُؤَالٌ

يا تُرى :

مَن كانَ .. يَا صَوتَ الرَّبَابةِ ..

مُذنِباً و مَنِ البَرِيءْ ؟

2عصفورة

وَقَفَت عَلَى الأَغصَانِ تَعزِفُ لَحنَهَا العَذْبَ الطَّرُوبْ .

فَتَحَ النَّوَافِذَ كُلَّهَا

قَالَ : ادخُلِي

دَخَلَت ، فَهَيَّأ قَلبَهُ أُرجُوحَةً ،

مَكَثَت قَلِيلاً

ثُمَّ قَالَت :

آنَ لِلقَلبِ المُعَذَّبِ أَن يَغِيبْ .

أَتُرَاهُ يَسطِيعُ الحياةَ

و مُهرَةُ الأحلامِ ضَلَّت دَربَهَا

فِي مَهمَهِ العُمرِ الجَدِيبْ ؟

3 وصية

” و لَكِ اعتِذَارُ بَنَفسَجَاتٍ ذَابِلاتْ “

فَلتَقرَئِي :

هَذِي وَصِيَّةُ مَن تَهَيَّأَ لِلرَّحِيلِ

قَصَائدَ الحُزنِ النَّبِيلِ عليهِ

إِن حَانَ المَمَاتْ .

4 ارتطام

فِي هَدأَةِ اللَّيلِ الطَّوِيلِ

تَجَاذَبا .. بِالهَمسِ .. أَطرَافَ الحَدِيثْ .

رَقَصَت أَغَانِيهُ الشَّقِيَّةُ فَوقَ وَردَةِ ثَغرِهَا

نَامَت كَمَا طِفلٍ بَرِيءٍ

فِي حَدِيقَةِ صَدرِهَا

مَكَثَت طَوِيلاً ،

لَم تُفِقْ ،

إلا عَلَى صَوتِ اْرتِطَامِ الحُلمِ

فِي صَخرِ القَرَارِ

و لا مُغِيثْ .

5 سؤال

هَل ظَلَّ فِي أَزهَارِ رَوضَتِهِ أَرِيجْ ؟

أَو جَاءَ يَومٌ

فِي أَجِندَتِهِ

بَهِيجْ ؟

مُذ غَابَ صوتُ النَّايِ عَنهُ

و كُلُّ أُغنِيَةٍ يُرَدِّدُهَا نَشِيجْ .

6 صبح

مَا لَونُ وَجهِكَ يا صَبَاحْ ؟

إِنِّي أَرَاكَ اليَومَ فِي لَونِ الجِراحْ .

7 صراخ

صَوتُ المُغَنِّى قَالَهَا الجُمهُورُ شَاخْ .

و عَلَى المَقَاعِدِ كَانَ يَجلِسُ سَاخِطاً

يَتَبَادَلُ النَّظَراتِ

و الصَّيحَاتِ

و اللَّعنَاتِ

لا يَدرِي بِأَنَّ يَمَامَةً كَانَت بِحَنجَرَةِ المُغَنِّي

حِينَ طَارَت

خَلَّفَت هذا الصُّراخْ .

8 عطر

ذَهَبَت إِلى ” البُوتِيكِ “

كي ما تَشتَري لِحَبِيبِهَا العِطرَ الفَرِيدْ .

دَخَلَت عَلَيهِ ، و بَسمَةٌ تَعلُو الشِّفاهَ

و قَلبُهَا رَاضٍ سَعِيدْ .

وَجَدَتْهُ ذِكرَى عُلِّقَت فِي صَدرِ بَيتِ الشِّعرِ

مِن حَبلِ الوَرِيدْ .

9 شواء

مَاذَا أَعَدَّ لَكِ المُغَنِّي اليَومَ

مِن أَكلٍ لَذِيذْ ؟

جَاءَ المُغَنِّي بِالقَصِيدَةِ ،

فَوقَهَا قَلبٌ حَنِيذْ .

10 جدار

نَهرَانِ مِن مَاءٍ و نَارْ .

سَارا تَضُمُّهُمَا الضِّفَافُ

و تَحتَفِي بِهِمَا القِفَارْ .

اليَومَ …

بَينَهُمَا جِدارْ .

11 نشاز

عَبَرَت إِلَى أَيقُونَةِ النِّسيَانِ نَشوَى بِامتِيَازْ .

تَرَكَتهُ فِي رَوضِ التَّذَكُّرِ وَحدَهُ

لا شَيءَ يُؤنِسُهُ سِوَى ذِكرَى

و قَلبٍ نَازِفٍ

و رَبَابَةٍ

تَستَحضِرُ اللَّحنَ النَّشَازْ .

12 ترنيم

تَرنِيمُ : هَيَّا أَغلِقِي البّابَ الكَبِيرَ

فلا أُرِيدُ سماعَ حِسّْ .

اهمِسْ حَبِيبِي ،

مَا أُحَيلَى أَن تبوحَ بما تُحِسّْ .

( سَأَظَلُّ أَذكُرُ أَنَّ حُبَّكِ قَاتِلِي ) :

” هَذا الذي قَالَ المُغَنِّى .. قَبلَ أَن تغتالَهُ ليلاهُ .. أَمسْ . “

13 قميص

هَذا القَمِيصْ

سَيَظَلُّ يَذكُرُ أَنَّ عِطرَكِ فِيهِ حِينَ لَبِسْتِهِ يَوماً

فَكَيفَ يَبِيعُهُ بِكُنُوزِ قَارُونٍ

بِرَغمِ شِرَائِهِ مِن قَبلِ مارِقَتَينِ

بِالسِّعرِ الرَّخِيصْ .

14 لارا

خَرَجَت إِلى الغَابَاتِ تَلهُو و الفَرَاشَ ،

جَناحُهَا وَاهٍ مَهِيضْ .

خَرَجَ المُغَنِّي بَاحِثأ فِي الغَابَةِ السَّودَاءِ عَن ” لارا “

و نَادَى

ثُمَّ نَادَى

ثُمَّ نَادَى

لَم يَكُن إلا عواءَ الذِّئبِ

و الأَنوَاءَ

و الأَصدَاءَ

لِلصَّوتِ العَرِيضْ .

15 صاحبة البلاط

صَدَحَ المُغَنِّي لَيلَةً

فِي قَصرِ صَاحِبَةِ البَلاطْ .

كَانَت عَلَى كُرسِيِّهَا

كالشَّمسِ يَسعَى حَولَهَا الرَّهطُ الغَفِيرُ مِن الجَوَارِي ،

و البِطَانَةِ ،

و الحَوَارِيِينَ ،

تُعطِي النُّورَ ، تُعطِي الدِّفءَ ، تُرسِي العَدلَ

فِي كُلِّ الجِهَاتِ

من الخليجِ إلى الرِّباطْ .

سأل المُعَنَّى :

كَيفَ جَارَت بَعدَ عدلٍ ،

أَلهَبَت قَلبَ المُغَنِّى بِالسِّياطْ ؟

16 حظ

لا تَنصَحِيهِ

فَلَم يَعُدْ يُجدِيهِ .. بعدَ اليومِ .. وَعظْ .

فِي بَحرِ عَيْنَيكِ اترُكِيهِ و عُودَهُ

و لتمنحيهِ

لِكي يُواصِلَ رِحلَةَ الغَرَقِ الجَمِيلةَ بعضَ حَظّْ .

17 شموع

مَاذَا وَرَاءَكِ يَا شُمُوعْ ؟

هَل كَانَ لَيلُكِ حَالِكاً

فَجَرَت عَلَى خَدَّيكِ هَاتِيكَ الدُّمُوعْ ؟

18 آهة أخرى

عَزَفَ المُغَنِّى آَهَةً أُخرَى

و أَسكَنَهَا الفَرَاغْ .

فَاعجَبْ لِحُزنٍ مِنهُ أَلحَانٌ تُصَاغْ .

19 مخيف

يا قِصَّةَ الظِّلِّ الوَرِيفْ .

يا مُنتَهَى اللَّحنِ الشَّفِيفْ .

الكَونُ إلَّم تَمنَحِيهِ النُّورَ مِن عَينَيكِ

يا لَيلَى

مُخِيفْ .

20 شاي بالنعناع

نَظَرَت إِليهِ و دَمعُهُ يَجرِي عَلَى صَدرِ الوَرَقْ .

صَبَّت لَهُ الشَّايَ المًنَعنَعَ

ناولته شَرِيطَ أَقرَاصِ ” المُنَوِّمِ “

ثُمَّ قَامَت لِلسَّرِيرِ ،

و لم يزل

يَتلُو على سَمْعِ الفجيعةِ

مَا تَيَسَّرَ مِن حكاياتِ الأَرَقْ .

21 مزاد

مَن يَشتَرِي عُودَ المُغَنِّي

و الرَّبَابَةَ ،

و البِيَانُو ،

و البُزُكْ .

هَلَكَ المُغَنِّي فَافتَحُوا بَابَ المَزَادِ

فَلا وَرِيثَ لِمَن هَلَكْ .

22 وصية أخرى

قَالَ اقرَئِي إِنْ تَذكُرِيهِ عَلَيهِ فَاتِحَةَ الكَلامْ .

و ضَعِي عَلَى قَبرِ المُغَنِّي يَاسَمِينَكِ

و السَّلامْ .

23 سيزيف

سِيزِيفُ يَرفُضُ أَن يُحَمَّلَ صَخرَتَينْ ؟

جُلمُودَ ” زَايوسَ ” ،

ثُمَّ صَخرَتَها التِّي كَتَبَت عَلَيهَا بِالعَرِيضِ:

” الآنَ بَيْنْ “

24 احتمال

لَيلٌ يُقَتِّلُ كُلَّ شَيءٍ فِي فَضَاءِ الحُلْمِِ

فِي كُلِّ اتِّجاهْ .

هُوَ وَحدَهُ نَاجٍ

فَقَد مَنَحَتهُ فِي الحُلمِِ الحَيَاهْ .

25 نوم

فِي مَرفَأِ الأَحزَانِ مَركَبُهُ سَتَرسُو .

سَيُمَدِّدُ الجَسَدَ الهَزِيلَ

و فَوقَ صَدرِ المَوجِ يَغفُو .

لا تُزعِجُوهُ

فَإِنَّهُ مِن بَعدِ رِحلَتِهِ الطويلةِ

فِي صِرَاعِ المَوتِ

يَسلُو .

26 آخر ما حدث به المغني

شَهَقَ المُغَنِّي شَهقَةً :

” لُعِنَ الهَوَى “

ثُمَّ ارتَمَى

فَوقَ الأَرِيكَةِ و استَوَى .