وآلفة برد الحجال احتويتها – الفرزدق

وَآلِفَةٍ بَرْدَ الحِجَالِ احْتَوَيْتُها،وَآلِفَةٍ بَرْدَ الحِجَالِ احْتَوَيْتُها، … وَقد نامَ مَنْ يَخشَى عليها وَأسْحَرَا

تَغَلْغَلَ وَقّاعٌ إلَيْهَا، وَأقْبَلَتْ … تَجُوسُ خُدارِيّاً من الليلِ أخضَرَا

لَطِيفٌ إذا ما انسلّ أدْرَكَ ما ابتغَى … إذا هُوَ للطِّنْءِ المَخوفِ تَقَتّرَا

يَزِيدُ عَلى مَا كُنْتُ أوْصَيْتُهُ بِهِ، … وَإنْ ناكَرْتُهُ الآنَ ثُمّتَ أنْكَرَا

وَلَوْ أنّهَا تَدْعُو صَدايَ أجابَهَا … صَدايَ، لِعَهْدِ بَعْدَها ما تَغَيّرَا

يَقُولُ: أما يَنْهاكَ عَنْ طَلَبِ الصِّبا … لِداتُكَ قد شابُوا وَإنْ كنتَ أكْبَرَا

مِنِ ابنِ الثّمانِينَ الذي لَيسَ وَارِداً … وَلا جائِياً مِنْ غَيْبَةٍ مُتَنَظَّرَا

أبَتْ مُقْلَتَا عَيْنيّ وَالصّاحِبُ الذي … عَصَى الظنَّ مُذ كنتُ الغلامَ الحَزَوّرَا

وَقَدْ كُنْتُ لا لَهْواً تُرِيدُ لِقَاءَهُ، … فقد كنتُ إذ أمْشِي إليكَ كأوَجَرَا

لِقاؤكِ في حَيْثُ التَقَيْنَا، وَإنّما … أطَعْتُ مَوَاثِيقَ الجَرِيّ المُكَرَّرَا

وَلَيْلَةَ بِتْنَا دَيْرَ حَسّانَ نَبّهَتْ … هُجُوداً وَعِيساً كالخَسِيّاتِ ضُمَّرَا

بكَتْ ناقَتي لَيْلاً، فَهاجَ بُكاؤها … فُؤاداً إلى أهْلِ الوَرِيعَةِ أصْورَا

وَحَنّتْ حَنِيناً مُنكَراً هَيّجَتْ بِهِ … على ذي هَوىً من شَوْقِهِ ما تَنكّرَا

فَبِتْنا قُعُوداً بَينَ مُلْتَزمِ الهَوَى، … وَناهي جُمانِ العَينِ أنْ يَتحَدّرَا

تَرُومُ عَلى نَعْمانَ في الفَجرِ ناقَتي، … وَإن هيَ حنّتْ كنتُ بالشّوْقِ أعْذَرَا

إلى حَيْثُ تَلقَاني تَمِيمٌ إذا بَدَتْ … وَزدْتُ على قَوْمٍ عُداةٍ لِتُنْصَرَا

فَلَمْ تَرَ مِثْلي ذائِداً عَنْ عَشِيرَةٍ، … وَلا ناصِراً مِنْهُمْ أعَزَّ وَأكْثَرَا

فإنَّ تَمِيماً لَنْ تَزُولَ جِبَالُهَا، … وَلا عِزُّها هادِيُّهُ لَنْ يُغَيَّرَا

أقُولُ لها إذْ خِفْتُ تَحْوِيلَ رَحْلِها … عَلى مِثْلِها جَهْداً، إذا هوَ شَمّرَا

تُساقُ وَتُمْسِي بالجَرِيضِ وَلم تكُنْ … مِنَ اللّيْثِ أن يَعدو عَليها لتُذْعَرَا

فإنّ مُنى النّفسِ التي أقْبَلَتْ بِهَا … وَحِلَّ نُذُورِي إنْ بَلَغْتُ المُوَقَّرَا

بهِ خَيرُ أهلِ الأرْضِ حَيّاً وَمَيّتاً، … سِوَى مَن بهِ دِينُ البَرِيّةِ أسْفَرَا

جَزَى الله خَيْرَ المُسْلِمينَ وَخَيرَهمْ … يَدَيْنِ وَأغناهُمْ لِمَنْ كانَ أفقَرَا

إمَامٌ كَأيّنْ مِنْ إمَامٍ نَمَى بِهِ … وَشَمْسٍ وَبَدْرٍ قَد أضَاءا فَنوّرَا

وَكانَ الّذي أعطاهُما الله مِنْهُمَا … إمَامَ الهُدَى وَالمُصْطَفَى المُتَنَظَّرَا

تَلَقّتْ بهِ في لَيْلَةٍ كانَ فَضْلُها … عَلى اللّيْلِ ألْفاً مِنْ شُهُورٍ مُقَدَّرَا

فَلَيْتَ أمِيرَ المُؤمِنِينَ قَضَى لَنَا، … فَرُحْنا، ولَمْ تَنْظُرْ غَداً مَن تعذَّرَا

كَأنّ المَطايا، إذْ عَدَلْنا صُدُورَها … بَعْثْنَا بِأيْدِيها الحَمَامَ المُطَيَّرَا

فكَمْ من مُصَلٍّ قد رَدَدتَ صَلاتَهُ … لَهُ بَعْدَما قَد كانَ في الرّومِ نصّرَا

يَدَيْهِ بِمَصْلُوبٍ عَلى سَاعِدَيْهِما … فأصْبَحَ قَدْ صَلّى حَنِيفاً وَكَبّرَا

فَتَحَتَ لهُمْ حتى فكَكْتَ قُيودَهمْ … قَناطِرَ مَنْ قَد كانَ قَبلَكَ قَنطَرَا

وَلَيْسَتْ كمَا تَبني العُلوجُ وَحُوّلَتْ … عَنِ الجِسْرِ أبْدانُ السّفِينِ المُقَيَّرَا

لُجَينِيّةً بيضاً، وَمَيّالَةَ العُرَى، … هِرَقْلِيّةً صَفَرَاءَ من ضَرْبِ قَيصرَا

تَنَاوَلْتَ ما أعْيا ابنَ حَرْبٍ وقَبْلَهُ … وَأعْيَا أبَاكَ الحَازِمَ المُتَخَيَّرَا

وَما كانَ قَدْ أعْيَا الوَليدَ وَبَعْدَهُ … سُلَيمانَ مِمّن كان في الرّومِ أعصَرَا

وَأعيا أبا حَفْصٍ فكَسّرْتَ عَنهُمُ … على أسْوُقٍ أسرَى الحَديدَ المُسَمَّرَا

فَلَوْلا الذي لا خَيرَ في النّاسِ بَعدَهُ … بِهِ قَتلَ الله الّذِي كانَ خَبّرَا

بِهِ دَمّر الله المَزُونَ وَمَنْ سَعَى … إلَيْهِمْ كمَا كانَ الفَرَاعِينَ دَمّرَا

وَأصْبَحَ أهْلُ الأرْضِ قَد جَمَعَتهمُ … يَدُ الله وَالأعمى المَرِيضَ فأبصَرَا

إلى خَيرِ أهلِ الأرْضِ أُمّاً وَخَيرِهمْ … أباً وَأخاً إلاّ النّبيَّ، وعُنْصُرَا

سَأثْني على خَيرِ البَرِيّةِ وَالّذِي … عَلى النّاسِ ناءَ الغَيثُ مِنهُ فأمْطَرَا

أرى الله في كَفّيْكَ أرْسَلَ رَحْمَةً … على الناسِ ملءَ الأرْضِ ماءً مُفجَّرَا

رَبِيبُ مُلُوكٍ في مَوَارِيثَ لمْ يَزَلْ … بهَا مَلِكٌ إنْ ماتَ أوْرَثَ مِنْبَرَا

بَنَيْتَ الّذي أحْيا سُلَيْمانَ وَابْنَهُ … وَداوُدَ وَالجِنّ الذي كانَ سَخّرَا

فأصْبَحَ جِسْراً خالِداً، ويَدُكّهُ … إذا دَكّ عَنْ يأجوجَ رَدْماً فَنَشَّرَا

بِقُوّتِهِ الله الّذِي هُوَ بَاعِثٌ … عِبَاداً لَهُ مِنْ خَلْقِهِ حِينَ نَشّرَا

عَصَائِبَ كانَتْ في القبورِ، فبُعِثرَتْ، … وَعَادَ تُرَاباً خَلْقُهُ، حِينَ قَدّرَا