هو الحي إن بلغته فاقصد الحانا – ابن شهاب
هو الحي إن بلغته فاقصد الحانا … وحي الأولى تلقاهم فيه سكّانا
ومرّغ خدود الذلّ في مسك تربه … وحصبائه وانثر على الدرّ مرجانا
فثَمَّ البنات العامريات رتّع … به والحسان البابليات أعيانا
غصون من البانات يحملن نرجساً … وورداً وعناباً ويثمرن رمّانا
معاطير لا من مسّ جام لطيمة … وأذكى شذاً من مسك دارين أردانا
من اللآءِ ما عيبت عليهن خلّة … سوى نهب أرواح المحبيّن عدوانا
أوانس كالأقمار يسفرن في الدجى … ويسمون أن يدنين منهن ندمانا
حواضر آداباً وتيهاً ورقّة … أعاريب إن حاورن نطقاً وتبيانا
تديرن حيث الحسن ألقى جرانه … وحيث بزوغ الشمس من نحو شمسانا
ولي من أولاك الفاتنات حبيبة … على شكلها لم يخلق الله إنسانا
كتمت هواها واتّخذت لحبّها … وتذكارها في السر سوراً وعمرانا
ولم أدر لولاها بأن الهوى هدى … ولا عاد كفري بالمحبة إيمانا
وما غرس هذا الحب إلا التفاته … بها اشتعلت مني الجوانح نيرانا
نظرت إليها وهي فضل وقد بدت … محاسنها للعين معنى وجثمانا
ولم أنس لما أن رأتني وعاينت … على لوعتي من شاهد الحال عنوانا
تنفّست الصعداء وقالت متيّم … كساه الضنى من صبغة الوجد ألوانا
ولكنها من غير ذنب تنكّرت … على وأولتني صدوداً وهجرانا
على أنني والشاهد الله ليس لي … مرام ينافي ما به الشرع أوصانا
وإني لمن غير الحديث مبرّأ … وإن وسوس الواشي براءة صفوانا
أأبقى كذا مالي إلى الوصل حيلة … ولم أستطع لا قدّر الله سلوانا
فكم نحوها وجهت من ذي فطانة … لشكوى الهوى طوراً وللعتب أحيانا
وحاولت أن ترضى بكل وسيلة … وقربت لو شاءت لها الروح قربانا
فقالت لهم نعم الفتى غير أنه … غريب وأنى للغريب بلقيانا
ولم تدر أني بابن فضل بن محسن … أصبت بذاك الحي آلاً وأوطانا
أغر الملوك الأعظمين عميدهم … وأرجحهم عند التفاخر ميزانا
وأكرمهم نفساً وأنداهم يداً … وأشمخهم في قنّة المجد بنيانا
أسمى مليك قاد خضر كتائب … إلى مأقط الهيجاء رجلاً وفرسانا
إذا صبحت مثوى أعاديه لم تذر … به ساكنا إلاّ يتامى ونسوانا
يلف السرايا بالسرايا مغيرة … فتستأصل العاصين أسراً وإثخانا
ويذكى لظى الحرب العبوس تنزّهاً … يخال مجال الضرب والطعن بستانا
نمته البهاليل العبادلة الأولى … بهم ناهزت في السبق قحطان عدنانا
بناة المعالي بالعوالي وباذلوا … نفوسهم في مشترى العز أثمانا
فمن ذا كفضل في العلا أو كمحسن … وآبائه بأساً وجاهاً وسلطانا
إذا نازلو الشوس المساعير عفرت … لهيبتهم في موطئ النعل أذقانا
أولئك آباء الذي ما استماحه … ولاذ به راج فصادف حرمانا
شأى كيف شاءت نفسه في مدارج … عنت لأدانيها ذرى أوج كيوانا
تحابيه أملاك الزمان تزلّفاً … فتعقد ميثاقاً وتحلف أيمانا
فهذا مليك الإنجليز استماله … وقلّده ألقاب فخر ونيشانا
هنيئاً لِإدوارد بن ألبرت صفقة … قبول ابن فضل منه فليمرح الأنا
سأحلف لا مستثنياً في أليتي … ولا حانثاً والحنث أقبح ما كانا
لكل ملوك العصر ليسوا كأحمد … مقاماً خلا عبد الحميد بن عثمانا
تبوّأ من لحج الفسيحة معقلاً … يذكرنا إيوان كسرى وغمدانا
هناك مقر الجد والمجد والندى … ومنتجعوا الجدوى مشاة وركبانا
وثَمَّ جلال الملك تحمي ذماره … مغاوير غاب عودوا الفتك ولدانا
إذا ركبوا الخيل الجياد حسبتهم … عليها وقد شدّوا على الخصم عقبانا
يدبرهم ماضي العزيمة نافذ … البصيرة أعلاهم وأعظمهم شانا
ومن غادر الثغر اليماني مفعماً … بحكمته أمناً ويمناً وإيمانا
فأشبه أو كاد اقتداراً وسيرة … يضاهي نزيلاً في ثرى دير سمعانا
بسنّته استنّ الرعايا فأصبحوا … بنعمته بعد التضاغن إخوانا
وأخلاقه روض تضاحك نوره … وباكره ودق السحابة هتانا
فعن ذاته سل من رآه وعن ندى … يديه سل الأملاك والإنس والجانا
تجول أياديه البلاد كأنه … يرى كل سكّان البسيطة ضيفانا
ومن ذا لعمري من نبيه وخامل … أتاه ولم يغمره فضلاً وإحسانا
جزافاً يهيل المال لا متصنّعاً … وليس بمنّان بما كان منّانا
ألا أيها المولى وما غيرك أمرؤ … نسمّيه من بعد الوصي بمولانا
فداك من الأسواء حسادك الأولى … عليه ضربت الذل جمعاً ووحدانا
ولا زلت خفّاق اللواء مظفّرا … مقيماً على دعوى معاليك برهانا
وأزكى تحيّات معطّرة الشذى … تضَوَّع منها الكون مسكاً وريحانا
توافيكمُ من ذي فؤاد بحبكم … بنى عبدلٍ لا يبرح الدهر ملآنا
ودونكم عذراء تزهو بحسنها … محبرة لفظاً ومعنى واتقانا
تجر على الكندي ذيل بيانها … وتطرب بشاراً وأستاذ همذانا