مشهد – أديب كمال الدين

جلس الشحّاذون على باب الجسر

وافترشوا الأرض بأسمال وأنين

وافترشوا المشهدَ بلحى بيض.

قال الأول: أنا جائع منذ قرون يا ناس.

قال الثاني: مزّقني الفقرُ بسيف عذاب.

صرخ الثالث: سحقا ًيا دنيا تبّاً.

بصق الرابعُ فوق الأرض

وتطلّع نحو الماء

ومدّ يديه إلى كفّ الشحّاذ الخامس.

فقال الخامسُ: مَن أنت؟

يا هذا لا تسخرْ من أعمى

قال السادس: ارزقني يا رزاق

ارزقني يا من لا ينسى عبده

ارزقني في فجرِ الجوعِ رغيفاً.

كان الشحّاذ السابع طفلاً

مدّ يديه ببراءة

قال: انظروا.

فتوهّج دينار ذهبي في كفّه

هجم الشحّاذون على الدينار _

حتّى الشحّاذ الأعمى معهم –

وانتزعوه كما البرق

واشتبكوا، اقتتلوا بمرارة.

صرخ الطفلُ بهم: انظروا.

أخرج كفّيه لهم كفّين من الذهب الخالص.

فبهت الشحّاذون وصاحوا:

ما نفعل؟ هل نقطع كفّيك؟

ضحك الشحّاذُ الطفل

نزل من فوق الجسر إلى الجرف

ألقى أسماله

قال: وداعاً يا إخواني

فبكى الشحّاذون وأنّوا.

كان أنينهم يملأ كلّ الدنيا وجعاً ودموعاً.

قال الطفل:

وداعاً يا إخوان الفقر

يا أهل الدنيا

وألقى بجسده فرحاً وسط الماء.