لكل امرىء من دهره ما تعودا – المتنبي

لكل امرىءٍ مِنْ دَهْرِهِ ما تَعَوّدَا … وعادَةُ سيفِ الدّوْلةِ الطعنُ في العدى

وَإنْ يُكذِبَ الإرْجافَ عنهُ بضِدّهِ … وَيُمْسِي بمَا تَنوي أعاديهِ أسْعَدَا

وَرُبّ مُريدٍ ضَرَّهُ ضَرَّ نَفْسَهُ … وَهادٍ إلَيهِ الجيشَ أهدى وما هَدى

وَمُستَكْبِرٍ لم يَعرِفِ الله ساعَةً … رَأى سَيْفَهُ في كَفّهِ فتَشَهّدَا

هُوَ البَحْرُ غُصْ فيهِ إذا كانَ ساكناً … على الدُّرّ وَاحذَرْهُ إذا كان مُزْبِدَا

فإنّي رَأيتُ البحرَ يَعثُرُ بالفتى … وَهذا الذي يأتي الفتى مُتَعَمِّدَا

تَظَلّ مُلُوكُ الأرْض خاشعَةً لَهُ … تُفارِقُهُ هَلْكَى وَتَلقاهُ سُجّدَا

وَتُحْيي لَهُ المَالَ الصّوَارِمُ وَالقَنَا … وَيَقْتُلُ ما تحيي التّبَسّمُ وَالجَدَا

ذَكِيٌّ تَظَنّيهِ طَليعَةُ عَيْنِهِ … يَرَى قَلبُهُ في يَوْمِهِ ما ترَى غَدَا

وَصُولٌ إلى المُسْتَصْعَباتِ بخَيْلِهِ … فلَوْ كانَ قَرْنُ الشّمسِ ماءً لأوْرَدَا

لذلك سَمّى ابنُ الدُّمُستُقِ يَوْمَهُ … مَمَاتاً وَسَمّاهُ الدُّمُستُقُ موْلِدَا

سَرَيْتَ إلى جَيحانَ من أرْضِ آمِدٍ … ثَلاثاً، لقد أدناكَ رَكضٌ وَأبْعَدَا

فَوَلّى وَأعطاكَ ابْنَهُ وَجُيُوشَهُ … جَميعاً وَلم يُعطِ الجَميعَ ليُحْمَدَا

عَرَضْتَ لَهُ دونَ الحَياةِ وَطَرْفِهِ … وَأبصَرَ سَيفَ الله منكَ مُجَرَّدَا

وَما طَلَبَتْ زُرْقُ الأسِنّةِ غَيرَهُ … وَلكِنّ قُسطَنطينَ كانَ لَهُ الفِدَى

فأصْبَحَ يَجْتابُ المُسوحَ مَخَافَةً … وَقد كانَ يجتابُ الدِّلاصَ المُسرَّدَا

وَيَمْشِي بهِ العُكّازُ في الدّيرِ تائِباً … وَما كانَ يَرْضَى مشيَ أشقَرَ أجرَدَا

وَما تابَ حتى غادَرَ الكَرُّ وَجْهَهُ … جَريحاً وَخَلّى جَفْنَهُ النّقعُ أرْمَدَا

فَلَوْ كانَ يُنْجي من عَليٍّ تَرَهُّبٌ … تَرَهّبَتِ الأمْلاكُ مَثْنَى وَمَوْحَدَا

وكلُّ امرىءٍ في الشّرْقِ وَالغَرْبِ بعده … يُعِدّ لَهُ ثَوْباً مِنَ الشَّعْرِ أسْوَدَا

هَنيئاً لكَ العيدُ الذي أنتَ عيدُهُ … وَعِيدٌ لمَنْ سَمّى وَضَحّى وَعَيّدَا

وَلا زَالَتِ الأعْيادُ لُبْسَكَ بَعْدَهُ … تُسَلِّمُ مَخرُوقاً وَتُعْطَى مُجدَّدَا

فَذا اليَوْمُ في الأيّامِ مثلُكَ في الوَرَى … كمَا كنتَ فيهِمْ أوْحداً كانَ أوْحَدَا

هوَ الجَدّ حتى تَفْضُلُ العَينُ أُختَهَا … وَحتى يكونُ اليَوْمُ لليَوْمِ سَيّدَا

فَيَا عَجَباً مِنْ دائِلٍ أنْتَ سَيفُهُ … أمَا يَتَوَقّى شَفْرَتَيْ مَا تَقَلّدَا

وَمَن يَجعَلِ الضِرغامَ بازاً لِصَيدِهِ … تَصَيَّدَهُ الضِرغامُ فيما تَصَيَّدا

رَأيتُكَ محْضَ الحِلْمِ في محْضِ قُدرَةٍ … وَلوْ شئتَ كانَ الحِلمُ منكَ المُهنّدَا

وَما قَتَلَ الأحرارَ كالعَفوِ عَنهُمُ … وَمَنْ لكَ بالحُرّ الذي يحفَظُ اليَدَا

إذا أنتَ أكْرَمتَ الكَريمَ مَلَكْتَهُ … وَإنْ أنْتَ أكْرَمتَ اللّئيمَ تَمَرّدَا

وَوَضْعُ النّدى في موْضعِ السّيفِ بالعلى … مضرٌّ كوضْع السيفِ في موضع النّدى

وَلكنْ تَفُوقُ النّاسَ رَأياً وَحِكمةً … كما فُقتَهمْ حالاً وَنَفساً وَمحْتِدَا

يَدِقّ على الأفكارِ ما أنْتَ فاعِلٌ … فيُترَكُ ما يخفَى وَيُؤخَذُ ما بَدَا

أزِلْ حَسَدَ الحُسّادِ عَنّي بكَبتِهمْ … فأنتَ الذي صَيّرْتَهُمْ ليَ حُسّدَا

إذا شَدّ زَنْدي حُسنُ رَأيكَ فيهِمُ … ضرَبْتُ بسَيفٍ يَقطَعُ الهَامَ مُغمَدَا

وَمَا أنَا إلاّ سَمْهَرِيٌّ حَمَلْتَهُ … فزَيّنَ مَعْرُوضاً وَرَاعَ مُسَدَّدَا

وَمَا الدّهْرُ إلاّ مِنْ رُواةِ قَصائِدي … إذا قُلتُ شِعراً أصْبَحَ الدّهرُ مُنشِدَا

فَسَارَ بهِ مَنْ لا يَسيرُ مُشَمِّراً … وَغَنّى بهِ مَنْ لا يُغَنّي مُغَرِّدَا

أجِزْني إذا أُنْشِدْتَ شِعراً فإنّمَا … بشِعري أتَاكَ المادِحونَ مُرَدَّدَا

وَدَعْ كلّ صَوْتٍ غَيرَ صَوْتي فإنّني … أنَا الطّائِرُ المَحْكِيُّ وَالآخَرُ الصّدَى

تَرَكْتُ السُّرَى خَلفي لمَنْ قَلّ مالُه … وَأنعَلْتُ أفراسي بنُعْماكَ عَسجَدَا

وَقَيّدْتُ نَفْسِي في ذَرَاكَ مَحَبّةً … وَمَنْ وَجَدَ الإحْسانَ قَيْداً تَقَيّدَا

إذا سَألَ الإنْسَانُ أيّامَهُ الغِنى … وَكنتَ على بُعْدٍ جَعَلْنَكَ موْعِدَا