كم تشتكي – إيليا أبو ماضي

كَم تَشتَكي وَتَقولُ إِنَّكَ مُعدِمُ … وَالأَرضُ مِلكُكَ وَالسَما وَالأَنجُمُ

وَلَكَ الحُقولُ وَزَهرُها وَأَريجُها … وَنَسيمُها وَالبُلبُلُ المُتَرَنِّمُ

والماءُ حَـوْلَكَ فضَّةً رَقراقَةً … والشمسُ فَوْقَكَ عَسْجَدٌ يتَضَرَّمُ

و النور يبني في السّفوح و في الذّرى … دورا مزخرفة و حينا يهدم

فكأنّه الفنّان يعرض عابثا … آياته قدّام من يتعلّم

و كأنّه لصفائه و سنائه … بحر تعوم به الطّيور الحوّم

هشّت لك الدّنيا فما لك واجما ؟ … و تبسّمت فعلام لا تتبسّم

إن كنت مكتئبا لعزّ قد مضى … هيهات يرجعه إليك تندّم

أو كنت تشفق من حلول مصيبة … هيهات يمنع أن تحلّ تجهّم

أو كنت جاوزت الشّباب فلا تقل … شاخ الزّمان فإنّه لا يهرم

أنظر فما زالت تطلّ من الثّرى … صور تكاد لحسنها تتكلّم

ما بين أشجار كأنّ غصونها … أيد تصفّق تارة و تسلّم

و عيون ماء دافقات في الثّرى … تشفي السقيم كأنّما هي زمزم

وَمَسارِحٍ فَتَنَ النَسيمُ جَمالُها … فَسَرى يُدَندِنُ تارَةً وَيُهَمهِمُ

فكأنّه صبّ بباب حبيبة … متوسّل ، مستعطف ، مسترحم

و الجدول الجذلان يضحك لاهيا … و النرجس الولهان مغف يحلم

و على الصعيد ملاءه من سندس … و على الهضاب لكلّ حسن ميسم

فهنا مكان بالأريج معطّر … و هناك طود بالشّعاع مهمّم

صور و أيات تفيض بشاشة … حتّى كأنّ الله فيها يبسم

فامش بعقلك فوقها متفهّما … إنّ الملاحة ملك من يتفهّم

أتزورُ روحك جنّة فتفوتها … كيما تزورك بالظنونِ جهنّمُ ؟

و ترى الحقيقة هيكلا متجسّدا … فتعافها لوساوس تتوهّم

يا من يحنّ إلى غد في يومه … قد بعت ما تدري بما لا تعلم

قم بادر اللّذّات قبل فواتها … ما كلّ يوم مثل هذا موسم

واشرب بسرّ حصن سرّ شبابه … وارو أحاديث المروءة عنهم

المعرضين عن الخنا ، فإذا علا … صوت يقول : “إلى المكارم” أقدموا

ألفاعلين الخير لا لطماعة … في مغنم ، إنّ الجميل المغنّم

أنت الغنيّ إذا ظفرت بصاحب … منهم و عندك للعواطف منجم

رفعوا لدينهم لواء عاليا … و لهم لواء في العروبة معلم

إن حاز بعض النّاس سهما في العلى … فلهم ضروب لا تعدّ و أسهم

لا فضل لي إن رحت أعلن فضلهم … بقصائدي ، إنّ الضحى لا يكتم

لكنّني أخشى مقالة قائل … هذا الذي يثني عليهم منهم

أحبابنا ما أجمل الدنيا بكم … لا تقبح الدّنيا و فيها أنتم