سفر أيوب 3 – بدر شاكر السياب
بعيدا عنك في جيكور عن بيتي و أطفالي
تشدّ مخالب الصّوان و الأسفلت و الضّجر
على قلبي تمزّق ما تبقّى فيه من وتر
يدندن يا سكون الليل يا أنشودة المطر
تشد مخالب المال
على بطني الذي ما مرّ فيه الزاد من دهر
عيون الجوع و الوحدة
نجومي في دجى صارعت بين وحوشه برده
و إن البرد أفظع لا كأنّ الجوع أفظع لا فإنّ الداء
يشلّ خطاي يربطها إلى دوّامة القدر
و لولا الداء صارعت الطوى و البرد و الظلماء
بعيدا عنك أشعر أنني قد ضعت في الزحمة
و بين نواجد الفولاذ تمضغ أضلعي لقمة
يمر بي الورى متراكضين كأن على سفر
فهل أستوقف الخطوات ؟ أصرخ أيها الإنسان
أخي يا أنت يا قابيل خذ بيدي على الغمّة
أعني خفّف الآلام عني و اطرد الأحزان
و أين سواك من أدعوه بين مقابر الحجر
و لولا الداء ما فارقت دراي يا سنا داري
و أحلى ما لقيت على خريف العمر من ثمر
هنا لا طير في الأغصان تشدو غير أطيار
من الفولاذ تهدر أو تحمحم دونما خوف من المطر
و لا أزهار إلا خلف واجهة زجاجّية
يراح إلى المقابر و السجون بهنّ و المستشفيات
ألا ألا يا بائع الزهر
أعندك زهرة حيّة
أعندك زهرة مما يربّ القلب من حبّ و أهواء
أعندك وردة حمراء سقّتها شموس إستوائيّة
أأصرخ في شوارع لندن الصّماء هاتوا لي أحبائي
و لو أنى صرخت فمن يجيب صراخ منتحر
تمرّ عليه طول الليل آلاف من القطر ؟
لا يوجد تعليقات حالياً