تعجَّل مولودٌ ليُمْهَل والدُ – ابن الرومي

تعجَّل مولودٌ ليُمْهَل والدُ … ولا بِدْعَ قد يحمي العشيرة َ واحدُ

لقد دافع المفقودُ عنك بنفسه … عُراماً فلا يُحْزنْكَ أنك فاقدُ

ومن قبلتْ منه الليالي فداءه … فحُقُّ بأن يَلْقيْنَهُ وهو حامدٌ

على أنَّ من قدَّمْتَ عالٍ مكانُه … بحيث الثريا أو بحيث الفراقدُ

وما مات منه أسوة َ الناس ميِّتٌ … بل انقضَّ منه المشتَرَى أو عطاردُ

وما كأخٍ لو خُيِّرْتَ عُرْضَة َ فدية … ولا ولداً يَشربه بالأجْر والدُ

وما كان لو حُكِّمْتَ جُنَّة َ بذله … ولو حُوذرتْ أنيابُ دهرٍ حدائدُ

بل النفس تُفْدى النفوس وتُشْتَرَى … فَتُبْذَلُ منها المنفسات التلائدُ

ولكن أبى إلا افتداء بنفسه … لنفسك جادتْهُ الغوثُ الرواعدُ

عظيم وَفَى النُّعْمَى عظيماً وماجد … فدى ماجداً لا زال يفديه ماجدُ

سوى البدر والنجميْن والعِتْرة التي … نُصالحُ فيها دهرَنا ونُفاسدُ

أولئك كانوا قدوة ً بل مواهباً … فذاد الرّدى عنهم ير الدهر ذائد

مضى ابنُك والآمال تكنُفُ نعشَه … وتبكيه للمعروف وهْيَ حواشِدُ

ولو عاش عاشتْ في ذَراه وأَورقتْ … لها من عطاياه غصونٌ موائدُ

فما عندنا إلا شؤون حوافل … تجود عليه أو عيون سواهدُ

وإلاّ تأَسِّيْنا مراراً وقولُنا … هو الدهر لا تَبقى عليه الجلامدُ

قَرَى ما تُمجُّ النحْلُ ثم استردَّه … وأصبح يقْري ما تَمُجُّ الأواسِدُ

ومن ذاك ذَمَّ الصالحون أمورَهُ … وقالوا جميعاً صالحُ الدهر فاسدُ

ومن ذاك ما أَولاكه وهو بادئٌ … ومن ذاك ما أَبلاكه وهو عائدُ

وبيناهُ من فرْط الموالاة قابلٌ … إذا هو من فرط المعاداة عاندُ

ومن عَقْده عند العطايا ارتجاعُه … وأن يُنْقضَ العقْدُ الذي هو عاقدُ

وما ابنك إلا من بني النَّشْء والبلَى … لكلٍّ على حوض المنون مواردُ

وما ابنك إلا مُستعارٌ رَدَدْتَهُ … وكلُّ عَواريِّ الزمان رَدائدُ

وما ابنك إلا وافد نحو ربه … ومن أوفدتْه عزْمة ُ الله وافدُ

فإمَّا اشتراه الله منك فما اشترى … ضَنِينٌ بإرغاب ولا باع زاهدُ

فصبراً فإنَّ الصبر خَيْرُ مغبَّة ً … وهل من مَحْيدٍ عنه إن حاد حائدُ

وقد فُزْتَ أن أصبحت عبداً مُسلِّماً … لما أوْجبتهُ في الرقاب القلائدُ

لك الأجر تعويضاً من الله وحده … ومنْ خلْقه حُسْنُ الثنا والمحامدُ

ولله لطْفٌ في العزاء لعبده … وإن مسّه جَهْدٌ من الحزن جاهدُ

هو الجارح الآسي ولا شك أنه … سيشفي الحشا المجروحُ ممَّا يكابدُ

ويحبوك بالعمر الطويل مُتابعاً … لك الرِّفْدَ والمبْتزُّ إن شاء رافدُ

أخا العلم والحلم اللذين كلاهما … يؤازرُه في أمره ويُعاضدُ

ألم تك من هذا المصاب بمنظرٍ … لياليَ كان ابن النُّذور يجاهدُ

ولا تحسبن الرُّزْء لم يك واقعاً … ولا تعتقدْه طارفاً فهو تالدُ

ونحن بذور الدهرِ والدهرُ زارع … ونحن زروع الدهر والدهرُ حاصدُ

وتالله ما موْلى ً لمولاه خالد … ولا الحزن من مولى لمولاه خالدُ

غدا الموت والسُّلْوان حتماً على الورى … كِلا ذا وهذا للفريقين راصدُ

فلا تجعلنَّ الموت نُكراً فإنما … حياة ُ الفتى سَيْرٌ إلى الموت قاصدُ

ولا تحسبنَّ الحزن يبقى فإنه … شهاب حرقٍ واقدٌ ثم خامدُ

ستألفُ فقدان الذي قد فقدته … كإلْفكَ وجْدان الذي أنت واجدُ

على أنه لابدّ من لذْع لوعة ٍ … تهبُّ أحايينا كما هبَّ راقد

ومن لم يزل يرعَى الشدائد فكره … على مهلٍ هانت عليه الشدائدُ

وللشرِّ إقلاعٌ وللهمِّ فَرْجَة ٌ … وللخير بعد المُؤيسات عوائدُ

وكم أعقبت بعد البلايا مواهبٌ … وكم أعقبت بعد الرزايا فوائدُ

وكم سِيىء يوماً سيقْفوه صالحٌ … وكم شامت يوماً سيقفوه حاسدُ

تعزَّ حِجا قبل السُّلُوِّ على المدى … فمثلك للحسنى من الأمر عامد

وما أنت بالمرء المعلَّم رشدَه … لعمر ولكن قد يذكَّر راشدُ

وعش في غاءٍ والوزير كلاكما … وكلُّكمُ والدهرُ طوعٌ مساعد

ترودون منه بين حظَّيْ سعادة … لكم حاصلٌمنها عتيد وواعدُ

وجَدُّ الذي يَبْغيكُمْ الشرَّ هابطٌ … وجَدُّ الذي يبغيكُم الخيرَ صاعدُ

وزَارتكُمُ بالمدْح كلَّ قصيدة ٍ … ولا قصدتكم بالمراثي القصائد

أرى كلَّ مدحٍ قيل فيمن سواكمُ … فليست له إلا البيوتَ مَناشدُ

وكلّ مديحٍ قيل فيكم فإنَّما … مَناشده دون البقاع المساجدُ

وما أنكرت تلك المشاهدُ فضلَكم … وهل يُنْكر المعروف تلك المشاهدُ