أَقرأُ جَسدَكِ.. وأَتَثقَّف.. – نزار قباني
وبين القبائل المتقاتلة على الماءْ...
بدأتْ عصورُ الإنحطاطْ..
أعلنتِ الغيومُ الإضرابَ عن المطرْ
لمدة خمسمئة سنهْ..
وأعلنتِ العصافيرُ الإضرابَ عن الطيرانْ
وامتنعتِ السنابل عن انجاب الأولادْ
وصار شكلُ القمر كشكل زجاجة النفطْ..
2
يومَ طردوني من القبيلَهْ..
لأني تركتُ قصيدةً على باب خيمتكْ..
وتركتُ لكِ معها وردهْ..
بدأت عصورُ الانحطاطْ..
إنّ عصور الإنحطاط ليست الجهلَ بمبادئ النحو
والصرفْ..
ولكنها الجهلُ بمبادئ الأنوثَهْ..
وشطبُ أسماءِ جميع النساء من ذاكرةِ الوطنْ..
3
آهِ يا حبيبتي..
ما هو هذا الوطن الذي يتعامل مع الحبّ..
كشرطيِّ سيرْ؟..
فيعتبر الوردةَ مؤامرةً على النظام..
ويعتبر القصيدةَ منشوراً سرياً ضدّه..
ما هو هذا الوطن المرسومُ على شكل جرادة صفراءْ..
تزحف على بطنها من المحيط إلى الخليج..
من الخليج إلى المحيطْ..
والذي يتكلّمُ في النهار كقدّيسْ..
ويدوخ في الليل على سُرَّة امرأةْ..
4
ما هو هذا الوطن؟..
الذي ألغى مادّةَ الحُبّ من مناهجه المدرسيَّهْ..
وألغى فنَّ الشعر..
وعيونَ النساءْ..
ما هو هذا الوطنْ؟
الذي يمارسُ العدوانَ على كل غمامةٍ ماطرهْ
ويفتح لكل نهدٍ ملفّاً سرّياً...
ويُنظِّمُ مع كل وردةٍ محضرَ تحقيقْ!!.
5
يا حبيبتي..
ماذا نفعلُ في هذا الوطن؟.
الذي يخاف أن يرى جسده في المرآة..
حتى لا يشتهيه..
ويخاف أن يسمع صوت امرأةٍ في التلفون..
حتى لا يُنْقَضَ وُضُوءُهْ..
ماذا نفعلُ في هذا الوطن؟
الذي يعرف كلَّ شيءٍ عن ثورة أكتوبر..
وثورةِ الزَنْجْ..
وثورةِ القرامِطَهْ..
ويتصرّف مع النساء كأنه شيخ طريقَهْ..
ماذا نفعلُ في هذا الوطن الضائعْ..
بين مؤلفات الإمام الشافعي.. ومؤلفات لينينْ..
بين الماديّة الجدليّة.. وصور (البورنو)..
بين كتب التفسير.. ومجلة (البلاي بويْ)..
بين فرقة (المعتزلة).. وفرقة (البيلتزْ)...
بين رابعة العدوية.. وبين (إيمانويلْ)...
أيتها المدهشةُ كألعاب الأطفالْ
إنني أعتبر نفسي متحضراً..
لأني أُحبّكِ..
وأعتبر قصائدي تاريخيّةً.. لأنها عاصَرَتكِ..
كلُّ زمنٍ قبل عينيكِ هو احتمالْ
وكلُّ زمنٍ بعدهما هو شظايا..
ولا تسأليني لماذا أنا معكِ..
إنني أريدُ أن أخرجَ من تخلُّفي..
وأدخلَ في زمن الماءْ..
أريدُ أن أهربَ من جمهوريّة العَطَشْ..
وأدخلَ جمهورية المانوليا..
أريد أن أخرجَ من بداوتي..
وأجلسَ تحت الشَجَرْ..
وأغتسلَ بماء الينابيعْ.
وأتعلَّمَ أسماءَ الزهارْ..
أريد أن تعلّميني القراءةَ والكتابهْ..
فالكتابةُ على جسدكِ أوّلُ المعرفَهْ
والدخولُ إليه دخول إلى الحضارَهْ..
إن جسدكِ ليس ضدَّ الثقافَهْ..
ولكنَّه الثقافّهْ..
ومَن لا يقرأ دفاترَ جسدكِ
يبقى طولَ حياته.. أُمِيَّاً...
لا يوجد تعليقات حالياً