أم صلاح – محمد القيسي

في مملكة التجوال تحاورت مع الأشياء ،

أبنت المكنون

جسد الأرض اهتزَّ ، تجرَّد أوراقا

وتقصَّف في منفاي غصون

أما الزيتون

فأسرَّ إليَّ بأسباب أخرى للموت الأفضل ،

فاض جدالا وشجون

عن طفل

يتلفَّت مذعورا في البريَّة ،

ممهورا بالخضرة والظلَّ المدفون

يحمل في عينيه بروقا ووعودا بيضاء

يفرد تحت علالي الغسق المتداعي

أطراف عباءته الخضراء

ويجوس معي الساحات طويلا

يزرع صدري بالحنون

فعديني بالأسرار الأرضيَّة يا أرصفة التجوال ،

عديني بالماء

فأنا المطعون

وعديني في مملكة التجوال بأعشاب ومزامير ،

فعندي من ظمإ الأيام ،

سواحل لا تبلغها الأبصار

هموم تتسلل عبر خيوط قميص الأضلاع ،

وحيدا كالكرمل في منفاه ،

أفتش عن سنبلة تكبر في يتم طفولتها

وأفتش عن جرح يتوهَّج تحت رماد الكانون .

فلماذا لا تأتي النسبلة الوعد ؟

النسبلة امرأة لا تأتي ،

وأميرة بيتي لا تأتي إلا في آخرة الليل

سرابا أو حلما يغرق في غبش النوم

أمدُّ يدي مبتهلا نحو جديلتها

أستوعب هذا الإهمال المتعمَّد في نقلتها

يعبق جوُّ الغرفة إذ تستيقظ بالنعناع

ينبثق غناء ما في وطن الأعماق ،

وتكتمل الأغنية

والرغبة في الرقص

رقص الأيام الجافة والساعات الحجريَّة

وأميل فيسقط ما بين الوهمين ستار ..

يلمع قرطاها الفضيَّان بعيدا

في ذاكرة الملتاع .

في مملكة التجوال أراني أسترجع مفقوداتي

وألملم كلماتي

واحدة واحدة

عن أسطح عمَّان ، وعن حيطان الوحدات

أنحدر من القاع إلى الدوّار الأول والثاني والثالث

متّحدا بكشوفاتي

أعزف شكل الآتي

في أرغول فلسطين المتوزَّع تحت سقوف الغرف السفليه

في مملكة التجوال رأيت هنا أمَّ صلاح

تكنز طيَّ ملامحها الأثمار السريَّة

فأم صلاح

امرأة كانت في عرس الأمواج تغني للبحَّارة

كانت تقرأ أسرار الريح الدوّاره

أما الآن الآن الآن

فأم صلاح

تعرف أنَّ لها قدمين مطوَّقتين

لا تملك أن تتنقَّل من مصطبة البيت ،

إلى رأس العين

لكن تعرف أيضا أن لها قلبا

لا يعترف بأسباب البين

فإذا جنَّ الليل

هبطت تتجوَّل من كل الأنحاء

لا أسأل من يعرف منكم أم صلاح

من تتصبَّب أوجاعا وحطام سلاح

من تتصبَّب أشجارا وجبالا ورياحين

من تحلم بالآتين

فأم صلاح

امرأة كانت في عرس الأمواج تغني للبحَّارة

كانت تقرأ أسرار الريح الدوّاره

وتعُّد شباك الصيد ،

تعدّ لأسماك بحيرتها أشهى الوجبات

لكن يا أم صلاح فرى كبدي …

في هذا الجو غبار الفوسفات

الطقسّ رديء في مملكة التجوال،

رديء جدا يا أم صلاح

فأعيني جسدي المسجى – فوق حصى الاسفلت الرسميَّ

وقيني

من نشرات الأخبار ،

ومن نظرات السيَّاح

يا أم صلاح

يا سيّدة الأيام الصعبة ،

يا سيّدة الليلك والحزن الفوّاح

يثقلني أن أتحوَّل فأرى

أنّ الناس هنا غير الناس

أنَّ أغانينا ذبلت

أنَّ أمانينا رحلت

أن ليلينا لا يسكنها الإيناس .