أمسى الشبابُ رداءً عنك مستلبا – ابن الرومي
أمسى الشبابُ رداءً عنك مستلبا … ولن يدومَ على العصرَين ما اعْتقبا
أعزِزْ عليَّ بأن أضحتْ مناسبُهْ … بُدِّلنَ فيه وفي أيامهِ نُدَبَا
سَقيا لأزمان لم أستسقِ من أسفٍ … لمَّا تولى ولا بكَّيت ما ذهبا
أيام أستقبلُ المنظورَ مبتهجاً … ولا أَحنُّ إلى المذكور مكتئبا
للَّه درُّك من عهدٍ ومن زمنٍ … لا يَبْعُدا بَعُدا بالرغم أو قرُبا
إذا أصحبُ الدهرَ مغتراً بصحبته … إذا أعارَ متَاعَاً خِلْتُهُ وهَبَا
لا أحسب العيس يَبلَى ثوبُ جِدَّتهِ … ولا إخالُ زماني يُعْقِبُ العُقَبا
أغدو فأجني ثمار اللهو دانية ً … مثلَ الغصون وأرمي صيدَه كَثَبَا
بينا كذلك إذ هبّتْ مُزَعزِعة ٌ … أضحى لها مُجتَنى اللذّات مُحْتَطَبَا
يا ظبية ً من ظباءٍ كان مسكنُها … في ظل غُصني إذا ظلُّ الضحى التهبا
فيئي إليكِ فقد هزَّته مُعْصفة ٌ … لم تَتركْ وَرِقاً منهُ ولا هَدَبَا
أصبحتُ شيخاً له سَمْتٌ وأبَّهة ٌ … يدعونني البيضُ عمَّا تارة وأبا
وتلك دعوة إجلالٍ وتكرمة ٍ … ودَدْتُ أنِّيَ معتاض بها لقبا
قد كنتُ أدعَى ابنَ عمٍ مرة ً وأخاً … حتَّى تقلَّب دهرٌ يعقِبُ العُقَبَا
واهاً لذلك في الأنساب من نسبٍ … لكنَّ يا عمِّ لا وَاهاً ولا نسبا
عجبت للمرء لا يحمي حقيقتَهُ … مسلوبة ً كيف يحمي بعدها سلبا
قالوا المشيبُ نذير قلت لا وأبي … لكنْ بشيرٌ يجلِّي وجهُه الكُرَبا
أليسَ يخبر مَنْ أرسى بساحتِهِ … أن اللَّحاقَ بحبِّ النفس قد قَرُبا
يا حُسْن هاتيك بشرى عند ذي أسفٍ … على الشبيبة والعيش الذي نضبا
لم يرعَ حقَّ شَبَابٍ كان يصحبُهُ … من لم يُحَبِّبْ إليه فَقْدُهُ العَطَبا
لو لم يجب حفظُهُ إلاَّ لأنَّ لهُ … حقَّ الرضاعِ على إخوانه وجبا
أخي وإلفي وتربي كان مولدُنا … معاً وربَّتْني الأيامُ حيثُ رَبَا
يضمُّنا حجْرُ أُمٍّ في رضاعتنا … وملعبٌ حيث نأتي بيننا اللَّعبا
إن الشباب لمَألوفٌ لصُحْبَتِهِ … تلك القديمة مَبْكيٌّ إذا ذهبا
والشيب مُسْتَوْحَشٌ منه لغربته … والشيْءُ مستوحشٌ منه إذا اغتربا
دع الخلافة َ يا مُعْتَزّ من كثبٍ … فليس يكسوك منها اللَّهُ ما سَلَبَا
أترتَجي لُبْسَها من بعد خَلْعَكها … هيهات هيهات فات الضرعَ ما حلبَا
تاللَّه ما كان يرضاك المليك لها … قبل احتقابك ما أصْبحت محتقبا
حتى أذلَّك عنْها ثم أبدلها … كُفؤاً رضيَّا لذات اللَّه مُنْتَجَبَا
فكيف يرضاك بعد الموبقاتِ لها … لا كيف لا كيف إلا المينَ والكذبا
هذي خراسان قد جاشت حلائبُها … تُزْجي لنصر أخيها عارضاً لَجِبَا
كالبحر ألقى عليه الليلُ كَلْكَلَهُ … وزَعْزَعَتْ جانبيه الريح فاضطربا
خيل عليهنّ آساد مدرّبة ٌ … تأجَّموا الأسلَ الخطِّي لا القَصَبَا
مُسْتَلْئِمُونَ حصيناتٌ مقَاتلهم … مُكَمَّمُون حَبيكَ البَيض واليلبا
والمصعَبيُّونَ قومٌ من شمائلهم … قتلُ الملوكِ إذا ما قتلهُمْ وجبا
هم الأُلى يَنصُرُون الحقَّ نُصْرَتَهُ … ولا يبالون فيه عَتْبَ من عتبا
الأوفياءُ إذا ما معشرٌ نَكَثُوا … والجاعلون الرضا للَّه والغضبا
قد جرّب الناسُ قبل اليوم أنهُم … مُعَوَّدُونَ إذا ما حاربوا الغلبا
يا من جَنَى لأبيه القتل ثم غدا … حرباً لِثَائِرِهِ صدَّقْتَ مَنْ ثلبا
يا أولياءَ عهودِ الشرِّ هَوْنَكُمُ … منْ غالبَ اللَّهَ في سلطانه غُلِبَا
لقد جزيتم أباكم حين كرَّمَكُمْ … بالعهد أسْوَأ ما يجزى البنون أبا
أضحى إمام الهدى أولى به صِلة ً … منكم وإن كُنتُمُ أولى به نَسَبَا
هو الذي سلَّ سيفَ الثأر دونكمُ … لا يأتلي للذي ضيَّعْتُمُ طلبا
أقام في الناس عصراً لا يُخيل لها … ولا يُرشِّحُ من أسبابها سببا
وكان للَّه غيبٌ فيه يَحْجُبُهُ … عنَّا وعنه مع الغيب الذي حَجَبا
حراسة ً من عدوٍ أن يكيدَ لَهُ … كيداً يحرِّقُ في نيرانه الحطبا
بل عصمة ً من وليِّ الصالحاتِ لهُ … كيلا يُجَشِّمَهُ حِرْصاً ولا تعبا
حتى إذا مهَّدَ اللَّهُ الأمورَ لهُ … وراضَ منْ جَمَحات الملك ما صَعُبا
تبلَّجتْ غُرَّة ٌ غَرَّاءُ واضحة ٌ … مثلُ الشهاب إذا ما ضَوْؤُه ثَقَبَا