أرْضَى بصورتهِ وصَدَّ فأغْضَبَا – ابن الرومي
أرْضَى بصورتهِ وصَدَّ فأغْضَبَا … فغدا المحبُّ منعَّماً ومعذَّبا
يا وجهَ من أهوى لقد أعْتَبتني … لو أن نائلَهُ الممنَّع أعتبا
ظبيٌ كأنَّ اللَّه كمل حسنَهُ … ليغيظ سِرْباً أوْ يُكايِدَ رَبْرَبَا
خَنِث الدلال إذا تَبهنَس أوثَقَتْ … حركاتُه وإذ تكلَّم أطربا
ذو صورة ٍ تحلو وتَحْسُن منظراً … ومَراشفٍ تصفو وتعذب مشربا
فإذا بدا للزَّاهدين ذوي التُّقَى … وَجَدَتْ هناك قلوبُهُمْ مُتَقلَّبا
مُتَوَشِّحٌ بِمعَاذتين يخيفُهُ … ما لا يُخاف وقد سبى مَنْ قد سبى
مُتَسَلِّحٌ للعين لا مُتزَيِّن … إلا بما طبع الإله وركَّبا
قاس الملابِسَ والحُليَّ بوجهه … فرأى محاسن وجهه فتسلَّبا
أغناهُ ذاك الحسنُ عن تلك الحُلي … وكفاه ذاك الطِّيبُ أن يتطيَّبا
فغدا سليباً غير أن ملابساً … يَحْمينَه الأبصارَ أن يُتنَهبَا
ويقينَهُ بردَ الهواءِ وحرَّهُ … إن أصْرَدَ العَصْرَان أو إن ألهبا
يُكْسَى الثياب صيانَة ً وحجابة ً … وهو الحقيق بأن يصان ويحجبا
كالدرَّة الزهراء ألبِسَ لونُها … صَدفاً يُغَارُ عليه كي لا يَشْحَبَا
ومن العجائب أن يُرَى متعوِّذاً … من عين عاشقِهِ أَلاَ فَتَعَجَّبَا
أيخافُ عَيْنَيْ من قُتلْتُ بحبِّهِ … قَلَبَ الحديث كما اشتهى أن يُقْلَبَا
لاقيت من صُدْغٍ عليه مُعَقْرَب … أفْعى تبرِّحُ بالفؤاد وعقربا
يكسوهُ صورة مخلبٍ فكأنما … يُنْحى على كبدي وقلبي مخلبا
إني لأرجو بالخليقة ِ شِبْهَهُ … مما أحل لنا الإله وطَيَّبَا
أو ما ترى فيما أباح محمدٌ … عما حماهُ من الخبائث مَرْغبا
لا سيما وقد اكتهلتُ وقد تَرى … ورع الإمام وبأْسَهُ المتهيَّبا
أضحتْ أمورُ الناسِ عند مصيرها … في كف من حامى وجاد وأدَّبَا
ديناً تكهَّل فاسْتقام صِرَاطُه … ومَعَاشَ دنيا للأنام تسبَّبا
اللَّه أكبرُ والنبيُّ محمدٌ … وابنُ الخليفة ِ غالبٌ لن يُغلَبا
رُزق الإمامُ بِعَقْب هُلْك عدوِّهِ … ولداً أطاب به الإمام وأنجبا
صدقتْ بشارَتُهُ وأفلح فألُه … هَلَكَ العِدا ونجا الإمام وأَعقبا
أحيا لنا أملاً وأردى مَارقاً … قد كان لفَّفَ للفساد وألَّبا
لا زال من والى الإمام وَوُدَّهُ … يحيا ومن عاداه يلقى معطبا
للَّه من ولدٍ أتى وربيعُنا … مُسْتَحكمٌ وجَنَابُنَا قد أخصبا
ضحك الزمان إليه ضحْكَة َ قائلٍ … يا مرحباً بابن الخليفة مرحبا
فغدا ومولدُهُ بشيرٌ كلّهُ … بالنصر لم يكُ مثلُهُ لِيُكذَّبا
ذكرٌ أغرّ كأنَّ غرة وجهِهِ … رَأْيُ الإمام إذا أضاء الغيهبا
ضَمِنَ النجابَة َ عنهُ يومَ وِلادهِ … قمرٌ وشمسٌ أَدَّياهُ وكوكبا
وافى الإمامُ وقد أجدَّ رحيلُهُ … عَضُداً يُعين على الخطوب ومنكبا
حقاً لقد نطقَ البشيرُ بيمنهِ … ولربما نطق البشير فأعربا
فألٌ لعمرك لم أَعِفْهُ ولم أَعِفْ … منه البريح ولا النَّطيحَ الأعضبا
ورأيتُهُ القُمْرِيَّ غرّد في ذُراً … خضراء يانِعَة ِ الجنَى لا الأخطبا
ما قُوبلَتْ رِجَلُ الملوك بمثلهِ … إلا ليملك مشرقاً أو مغربا
فَلْيُمْضِ عزمَتَهُ الإمامُ فإنه … قد هزَّ منها مَشْرَفِيَّاً مِقْضَبَا
فاليمنُ مقرونٌ به عونٌ له … ظِلٌّ عليه إذا الهَجير تَلهَّبا
والليثُ في الهيجاء لابُس جُنَّة ٍ … من نفسه تكفيه أن يتأهَّبا
واللَّهُ واقيهِ الردى ومُسَهِّلٌ … ما قد رجا ومذَلِّلٌ ما استصعبا
هي فرصة ٌ سنحت ونعمى أقبلت … وغنيمة أَزِفَتْ وصيد أَكثبا
وافى هزبرٌ بالحديقة مِسْحَلاً … وأظلَّ صقر بالبسيطة أرنبا
وجَدَ السنانُ من الطريدة مَطْعَناً … ورأى الحسامُ من الضريبة مَضْرِبَا
لا يهلِكنَّ على الخليفة هالكٌ … قد أرْغَبَ الناسَ الإمامُ وأرهَبا
هو عَارِضٌ زَجلٌ فمن شاء الحيا … أرضى ومن شاء الصواعق أغضبا
ملك إذا اعتسف الملوك طريقَهم … في ملكهم ركب الطريق السَّبْسَبَا
أعلاهُ طَوْلٌ أن يُرى متكبِّراً … وحماه عزٌّ أن يُرَى مُتَسَحِّبَا
نَمْتَاحُ منه حَاتميَّاً ماجداً … ونُثير منه هاشمياً قُلَّبَا
يهتزُّ حينَ يُهزُّ لَدْناً ناعماً … وإذا قَرَعتَ قرعت صلدا صُلَّبَا
ما زال قدماً عُرْفُهُ متوقَّعاً … لعَفاته ونكيرُهُ مترقّبا
والعفُو منه سجية ٌ لكنه … يعفو إذا ما العفو كان الأَصْوبا
فإذا جَنَى جانٍ تَغَاضَتْ عَيْنُهُ … عن ذنبه فكأنه ما أذنبا
وإذا تتابع في الخيانة أهلُها … جَدع الأنُوف ما الجباه فأَوْعبا
فأنا النذير به لغامِطِ نعمة … وأنا البشير بِهِ لحرٍّ أجدبا
يا ناظمي مِدَحَ الإمام وطالبي … نفحاتِ نائِلِه ذهبتم مذهبا
وافَى مَصابٌ من سَحَابِ رِيّه … ورأى سحابٌ في مَصَابٍ مَسْكَبا
أمَّا عِداه فما أصابوا مَهْرَبا … ومؤمِّلوه فقد أصابوا مطلبا
خطب السؤال إلى العُفاة ولم يكن … لولا مكارمُه السؤال ليُخطبَا
ورمى نحورَ الخائنين بسهمهِ … وتِراسُهم قَدَرُ البقاءِ فما نبا
ومتى أراد اللهُ قصَّرَ مدة ً … وإذا قضى فأراد أمراً عَقَّبا
وأقولُ قولَ مسدَّدٍ في زجرهِ … يقضي القضية لم يكن ليؤنَّبا
سيطول عمرُ إمامنا في غبطة … حتى يواكبَ من بنيه موكباً
مقلوبُ كنيتهِ يُخَبِّر أنه … سيُرى لسابِع سبعة غُرٍّ أبَا
حتى تراه في بنيه قد احتبى … فَيُخال يذبُلَ في الهضاب قد احتبى
ولقد أتاه مُبَشِّران بخمسة ٍ … ردَّ الإلهُ على الإمام الغُيَّبا
ليرى الإمام تكهني وتَطَيُّبي … فلقد تكهن عبدُهُ وتطيَّبا
إني وجدت له فُئُولاً جمَّة ً … منه ولم أزجُر كغيري ثعلبا
حقُّ الخليفة ِ أن أُطيلَ مديحَهُ … لكنني أوجزتُ لما أطنبا
طالت يداهُ على لساني فانتهتْ … تلك البلاغة ُ فانتهَيْتُ وأَسْهَبا