أأرحلُ منْ مصرٍ وطيبِ نعيمها – بهاء الدين زهير
أأرحلُ منْ مصرٍ وطيبِ نعيمها … فأيّ مكانِ بعدها ليَ شائقُ
وَأترُكُ أوْطاناً ثَرَاها لناشِقٍ … هوَ الطّيبُ لا ما ضُمّنَتهُ المَفارِقُ
وكيفَ وقد أضحتْ من الحسن جنة ً … زرابيها مبثوثة ٌ والنمارقُ
بلادٌ تَرُوقُ العينَ وَالقلبَ بهْجَة ً … وتجمعُ ما يهوى تقيٌّ وفاسقُ
وإخوانَ صدقٍ يجمعُ الفضل شملهم … مَجالِسُهُمْ ممّا حَوَوْهُ حَدائِقُ
أسُكّانَ مصرٍ إن قضَى الله بالنّوَى … فثمّ عهودٌ بيننا ومواثقُ
فلا تذكروها للنسيمِ فإنهُ … لأمثالها من نفحة ِ الروضِ سارقُ
إلى كمْ جُفوني بالدّموعِ قريحَة ٌ … وحتّامَ قَلبي بالتّفَرّقِ خافِقُ
ففي كلّ يومٍ لي حنينٌ مجددٌ … وَفي كلّ أرْضٍ لي حَبيبٌ مُفارِقُ
ستأتي معَ الأيامِ أعظمُ فرقة ٍ … فَما ليَ أسْعَى نحوَها وَأُسابِقُ
وَمن خُلُقي أنّي ألُوفٌ وَأنّهُ … يَطولُ التِفاتي للذينَ أُفارِقُ
يحركُ وجدي في الأراكة ِ طائرٌ … ويبعثُ شجوي في الدجنة ِ بارقُ
وأقسمُ ما فارقتُ في الأرض منزلاً … ويذكرُ إلاّ والدموعُ سوابقُ
وعندي من الآداب في البعد مؤنسٌ … أفارِقُ أوْطاني وَلَيسَ يُفارِقُ
ولي صبوة ُ العشاقِ في الشعرِ وحده … وَأمّا سِواها فهيَ منيَ طالِقُ
كلامي الذي يَصبو له كلّ سامعٍ … وَيَهواهُ حتى في الخُدورِ العَوَاتِقُ
كَلامي غنيٌّ عن لحُونٍ تَزينُهُ … لهُ مَعبَدٌ مِنْ نَفسِهِ ومُخارِقُ
لكلّ امرىء ٍ منهُ نَصِيبٌ يخُصّهُ … يُلائِمُ ما في طَبعِهِ وَيُوافِقُ
تُغَنّي بهِ النّدمانُ وَهوَ فُكاهَة ٌ … وينشدهُ الصوفيّ وهوَ رقائقُ
بهِ يقتضي الحاجاتِ من هوَ طالبٌ … ويستعطفُ الأحبابَ من هوَ عاشقُ
وَإنّي على ما سارَ منهُ لَعاتِبٌ … أليسَ بهِ للبَينِ تُحدى الأيانِقُ
وَما قُلتُ أشعاري لأبغي بها النّدى … ولكنني في حلية ِ الفضلِ واثقُ
أأطلُبُ رَزقَ الله من عندِ غَيرِهِ … وَأسترْزِقُ الأقوَامَ وَالله رَازِقُ