شيعتُ أحلامي بقلبٍ باكِ – أحمد شوقي
شيعتُ أحلامي بقلبٍ باكِ … ولممتُ من طرق الملاحِ شباكي
ورجعتُ أَدراجَ الشباب ووِرْدَه … أَمشي مكانَهما على الأَشواك
وبجانبي واهٍ ، كأن خفوقه … لما تلفتَ جهشة ُ المتباكي
شاكي السلاحِ إذا خلا بضلوعه … فإذا أهيبَ به فليس بشاك
قد راعه أني طويتُ حبائلي … من بعد طول تناولٍ وفكاك
ويح ابن جنبي ؟ كلُّ غاية ِ لذة ٍ … بعد الشباب عزيزة الإدراك
لم تبق منا يا فؤادُ بقية ٌ … لفتوة ٍ ، أو فضلة ٌ لعراك
كنا إذا صففتَ نستبق الهوى … ونشدُّ شدَّ العصبة ِ الفتاك
واليوم تبعث فيَّ حين تهزني … ما يبعث الناقوسُ في النساك
يا جارة َ الوادي، طَرِبْتُ وعادني … ما يشبهُ الأَحلامَ من ذكراك
مثلتُ في الذكرى هواكِ وفي الكرى … والذكرياتُ صدى السنين الحاكي
ولقد مررتُ على الرياض برَبْوَة ٍ … غَّناءَ كنتُ حِيالها ألقاك
ضحكتْ إليّ وجوهها وعيونها … ووجدْتُ في أَنفاسها ريّاك
فذهبتُ في الأيام أذكر رفرفاً … بين الجداولِ والعيونِ حَواك
أذكرتِ هرولة َ الصبابة ِ والهوى … لما خَطرتِ يُقبلان خُطاكِ؟
لم أَدر ما طِيبُ العِناقِ على الهوى … حتى ترفَّق ساعدي فطواك
وتأوَّدت أعطاف بانِك في يدي … واحمرّ من خَفريهما خدّاك
ودخلتُ في ليلين : فرعِك والدُّجى … ولثمتُ كالصّبح المنوِّرِ فاكِ
ووجدْتُ في كُنْهِ الجوانحِ نَشْوَة ً … من طيب فيك، ومن سُلاف لَمَاك
وتعطَّلَتْ لغة ُ الكلامِ وخاطبَتْ … عَيْنَيَّ في لغة الهوى عيناك
ومَحوتُ كلَّ لُبانة ٍ من خاطري … ونسيتُ كلَّ تعاتُبٍ وتشاكي
لا أمسِ من عمرِ الزمان ولاغدٌ … جُمِع الزمانُ فكان يومَ رِضاك
لُبنانُ ، ردتني إليكَ من النوى … أقدارُ سيرٍ للحياة دَرَاك
جمعتْ نزيلي ظهرِها من فُرقة ٍ … كُرَة ٌ وراءَ صَوالجِ الأَفلاك
نمشي عليها فوقَ كلِّ فجاءة ٍ … كالطير فوقَ مَكامن الأشراك
ولو أنّ الشوق المزارُ وجدتني … مُلقى الرحالِ على ثراك الذاكي
بنت البقاع وأمَّ بردُوِنيِّها … طيبي كجلَّق ، واسكبي بَرداك
ودِمَشْقُ جَنَّاتُ النعيم، وإنما … ألفيتُ سُدَّة َ عدنِهنَّ رُباك
قسماً لو انتمت الجداولُ والرُّبا … لتهلَّل الفردوسُ، ثمَّ نَماك
مَرْآكِ مَرْآه وَعَيْنُكِ عَيْنُه … لِمْ يا زُحَيلة ُ لا يكون أباكِ؟
تلك الكُروم بقية ٌ من بابلٍ … هَيْهَاتَ نَسَّى البابليَّ جَناك
تبدي كوشي الفُرس أفتّنَ صبغة ٍ … للناظـريـن إلـى أَلَـذِّ حِـيـاكِ
خرزاتِ مِسكٍ أو عُقودَ الكهربا … أُودِعْنَ كافوراً من الأَسلاك
فكَّرْتُ في لَبَنِ الجِنانِ وخمرِها … لمّا رأيتُ الماءَ مَسَّ طِلاك
لم أنس من هبة ِ الزمانِ عشيَّة ً … سَلَفَتْ بظلِّكِ وانقضَتْ بِذَراك
كًنتِ العروسَ على منصة ِ جنحها … لًبنانُ في الوشي الكريم جَلاكِ
يمشي إليكِ اللّحظُ في الديباج أَو … في العاج من أي الشِّعاب أتاك
ضَمَّتْ ذراعيْها الطبيعة ُ رِقَّة ً … صِنِّينَ والحَرَمُونَ فاحتضناك
والبدرُ في ثبج السماءِ مُنورٌ … سالت حُلاه على الثرى وحُلاكِ
والنيِّرات من السحاب مُطِلَّة ٌ … كالغيد من سترٍ ومن شُباك
وكأَنَّ كلَّ ذُؤابة ٍ من شاهِقٍ … ركنُ المجرة أو جدارُ سِماك
سكنتْ نواحي الليل ، إلا أنَّة ً … في الأَيْكِ، أَو وَتَراً شَجِيَّ حَراك
شرفاً ـ عروس الأرز ـ كلُّ خَريدة … تحتَ السماءِ من البلاد فِداك
رَكَز البيانُ على ذراك لواءَه … ومشى ملوكُ الشعر في مَغناك
أُدباؤك الزُّهر الشموسُ ، ولا أرى … أَرضاً تَمَخَّضُ بالشموس سِواك
من كلّ أَرْوَعَ علْمُه في شعره … ويراعه من خُلقه بملاك
جمع القصائدَ من رُباكِ، وربّما … سرق الشمائلَ من نسيم صَباك
موسى ببابك في المكارم والعلا … وعَصاهُ في سحر البيانِ عَصاكِ
أَحْلَلْتِ شعري منكِ في عُليا الذُّرا … وجمعته برواية الأملاك
إن تُكرمي يا زَحْلُ شعري إنني … أَنكرْتُ كلَّ قَصيدَة ٍ إلاَّك
أَنتِ الخيالُ: بديعُهُ، وغريبُه … الله صاغك، والزمانُ رَواك