أطار بكَ الناعي فؤادَ العُلى ذُعرا – حيدر بن سليمان الحلي
أطار بكَ الناعي فؤادَ العُلى ذُعرا … غداة َ نعى في نعيك المجدَ والفخرا
دعا بك فابيضَّت لنعيكَ عينُها … من الحزن وارفضَّت مدامعُها حمرا
بكتكَ فجارت جود كفيك إذ جرت … بدمعٍ تعدّى القطرَ إذ ساجل القطرا
ألا إنَّ روضَ المكرمات برغمها … ذوي بعدما قد كان غضَّ الحيا نضرا
وتلك قناة ُ العزِّ طارت بكفه … شظايا إلى أن كلها نفدت كسرا
فيا موحشاً نادى النهى برحيله … ويا تاركاً عين الندى أسفاً عبرى
ليومك جرحٌ في حشا المجد لم يجد … معالجهُ طولَ الزمان له سبرا
أصاب الردى لمّا أصابك مقتلاً … من الحسب السامي به قتل الصبرا
وغادر أفقَ المجدِ أغبر قاتما … يحثو الثرى لمّا توسَّد في الغبرا
لمن بعدك الفيحاءُ تذخر دمعَها … وقد كنت عند النائبات لها ذخرا؟
حرامٌ بأن يُهدي بها عاطرُ الثنا … فبعد عروس سائرُ الدهر لا عطرا
بلى فلتكن في النوح «خنساء» عصرها … وإن جلَّ عن صخرٍ «سليمانها» قدرا
قفا ناشداها أين بان عميدُها … وهل بعده حامٍ تسدُّ به ثغرا؟
غدت بين ذؤبان الخطوب فريسة ً … بها كيف شاءت تنشب الناب والظفرا؟
مضى ابنُ جلاها لا ومثواه لا ترى … من القوم من يجلو دجى همها الدهرا
أمرَّ لديها العيشُ بعد افتقاده … وكان حلا فيه لأبنائها عصرا؟
فعذراً إذاً إن تشتك اليتمَ بعده … فقد فقدتْ منه أباً لم يزل برّا
برغم أخيه الجود ودّع شخصَه … وعاد إلى لقياه ينتظر الحشرا
ففي القلب منه كلما مرَّ خاطرٌ … تذكّر محزوناً وأني له الذكرى
فتى ً شدَّ أزرَ المجد فيه أطايبٌ … على عفة ٍ منذ ارتدوا شدّوا الأزرا
كرامٌ على أولي الزمان رحابُهم … لمنتجعى معروفهم لم تزل خُضرا
لهم شرفُ البيت القديم ووفدُهم … يحيّون فيه منهم البدرَ فالبدرا
ثلمن المنايا عزَّهم “بمحمدٍ” … فشلَّت يدٌ فيها تناولنه قسرا
فتى ً كان سيفاً فاصلاً في يد العُلى … يقدُّ ولو لاقى ضرييته الدهرا
وكان لها في نحرها عقد سؤددٍ … فلو شعرت يوماً به باهت الشعرى
ترى هل درى ناعيه أن نعيَّه … من الشرف الوضّاح قد قصم الظهرا؟
وحرَّ به قلب النهى فكأنما … سرى بين أضلاع النهى نعيُه جمرا
فيا حامليه هل علمتم بأنكم … حملتم على أعواده النهى َ والأمرا؟
ويا دافنيه في الثرى هل علمتمُ … بأنكمُ واريتمُ في الثرى بحرا؟
لقد كان إن جن الدجى ليلَ حادثٍ … يشقُّ لها من نور طلعته فجرا
أغرُّ إذا ما قطبَّ العامُ مجدباً … تبسَّم فيه للندى وجلا ثغرا
وإن قبضت يمنى الكرام بنانَها … مخافة إعسارٍ به بسط اليسرى
ضحوك المحيا بُوركت منه طلعة ٌ … تشعُّ لو استقطرتها قطرت بشرى
إذا ما نشرنا في المجالس ذكرَه … تأرَّج في الدنيا فطبّقها نشرا
لئن غاب فهو البدر موفٍ فقد مضى … وأعقب في أفق العُلى أنجماً زهرا
وما مخدرٌ أخلى الردى منه غابه … إذا منعت أشباله بعده الخدرا
غطارفة ٌ غرُّ المساعي تقيّلوا … أباً فأباً كانوا غطارفة ً غرّا
إذا فوخروا يوماً أتوا بأبيهم … وعدُّوا مزاياهم فقيل كفى فخرا
بحارٌ ولكن في يدي كل واحدٍ … نشأن لمرتاد النهى أبحرٌ عشرا
لقد عذبوا بين الأنام خلائقاً … ترشّفها حتى انتشى كلّهم سكرا
مناجيبُ قد أفنى التراثَ على الندى … أبوهم وأبقى في العُلى لهم الذكرى
مضى مَن نضت أمُّ الفخار حدادَها … عليه ولم تمسح مفارقها الغبرا
وقد أودعت شطراً بلحد محمدٍ … ولحد “سليمانٍ” به أودعت شطرا
فلا يشمت الحسّادُ في موت ماجدٍ … قضى حين وافته الملائكُ بالبشرى
فهذا على ُّ القدر قام من العُلى … مقامَ “سليمانٍ” فزيدت به فخرا
خضمُّ ندى ً ما البحرُ يطفح موجه … بأغزر لجاً من بنانته الصغرى
وهضبة حلمٍ لو وزنت به الورى … وجدتهم في جنبه كلَّهم ذرّا
وراءكم يا حاسديه مكانه … بأندية العليا فإنَّ له الصدرا
وكم موكبٍ للفخر ضمّكم معاً … فكنتم بغاثاً وهو كان به صقرا
أخو أخوة ٍ في المكرمات جميعهم … أتوا شرَعاً فاستغرقوا الحمد والشكرا
عليُّهم في المجد محسنُهم بدا … ومحسنهم منسيُّهم نائلاً غمرا
بني الحلم أنتم أرسخ الناس هضبة ً … وأرحبهم في كل نازلة ٍ صدرا
نقول لكم صبراً ونعلم أنكم … أجلُّ ولكنْ عادة ٌ قولنا صبرا
لكم ختم اللهُ الرزايا بهذه … فلا طرقت أبياتكم بعدها أخرى