أهاشم لا يوم لك أبيض أو ترى – حيدر بن سليمان الحلي
أهاشم لا يوم لك أبيض أو ترى … جيادك تزجى عارض النقع أغبرا
طوالعُ في ليل القَتام تخالها … وقد سدَّت الأُفق، السحاب المسخرا
بني الغالبيين الألى لست عالماً … أأسمع في طعن اكفك أم قرى
إلى الآن لم تجمع بكِ الخيلُ وثبة ً … كأَنّكِ ما تدرين بالطفّ ما جرى
هلم بها شتث النواصي كأنها … ذياب غضاً يمرحن بالقاع ضمرا
وإن سألتك الخيل أين مغارها … فقُولي ارفعي كلَّ البسيطة عثيرا
فان دماكم طحن في كل معشر … وما الموتُ إلاّ أن تعيش فتقسرا
ولا كدم في كربلا طاح مكنم … فذاك لأجفان الحمية أسهرا
غداة أبو السجاد جاء يقودها … أجادلَ للهيجاء يحمِلنَّ أنسرا
عَليها من الفتيان كلَّ ابنِ نثرة ٍ … يَعُدّ قتير الدرع وشياً مُحبّرا
أشم إذا ما افتض للحر عذره … تنشقُّ من أعطافها النقعَ عنبرا
من الطاعني صدر الكتيبة في الوغى … إذا الصف منها من حديد توقرا
هُم القوم إما أجروا الخيلَ لم تطأ … سنابكها إلا دلاصاً ومغقرا
إذا ازدحموا حشداً على نقع فيلق … رأيت على اللّيل النهار تكوَّرا
كماة تعد الحي منها إذا انبرت … عن الطعنَ من كان الصريعَ المقطّرا
ومن يَخترم حيثُ الرماح تظافرت … فذلك تدعوه الكريمَ المظفّرا
فما عبروا إلاّ على ظهرِ سابح … إلى الموت لمّا ماجت البيضُ أبحرا
مضوا بالوجوه الزهر بيضاً كريمة … عليها لئام النقع لا ثوه أكدرا
فقل لنزار: ماحنينك نافع … ولومت وجداً بعدهم وتزفرا
حرام عليك الماء مادام مورداً … لأبناء حربٍ أو ترى الموت مصدرا
وحجر على أجفانك النوم عن دم … شبا السيف يأبى أن يُطلّ ويهدرا
أللهاشمي الماء يحلو ودونه … نوت قومه حرى القلوب على الثرى
وتهدأ عينُ الطالبيَّ وَحولها … جفونُ بني مروانَ ريّا من الكرى
كأنك يا أسياف غلمان هاشم … نسيتِ غداة َ الطفّ ذاك المعفّرا
هبي لبسوا في قتله العار أسوداً … أيشفي إذا لم يلبسوا الموت أحمر
ألا بَكّرَ الناعي ولكن بهاشم … جميعاً وكانت بالمنية أجدرا
فما للمواضي طائل في حياتها … إذا باعُها عجزاً عن الضرب قَصرا
ثوى اليومَ أحماها عن الضيم جانباً … وأصدقها عند الحفيظة مخبرا
وأطعمها للوحش من جثث العدى … وأخضبُها للطير ظِفراً ومِنسرا
قضى بعد مارد السيوف على القنا … ومرهفه فيها وفي الموت أثرا
ومات كريم العبد عند شبا القنا … يُواريه منها ما عليه تكسَّرا
فإن يُمس مغبرَّ الجبين فطالما … ضُحى الحرب في وجه الكتيبة غبّرا
وإن يقض ضمآناً تفطّر قلبه … فقد راع قلب الموت حتى تفطر
وألقحها شعواءَ تشقى بها العِدى … ولُود المنايا ترضعُ الحتفَ مُمقرا
فظاهر فيها بين درعين نثرة … وصبر ودرع الصبر أقواهما عرا
سطا وهو أحمى من يصون كريمة … وأشجع من يقتاد للحرب عسكرا
فرافده في حومة الصرب مرهف … على قلّة الأنصار فيه تكثّرا
تعثّر حتى مات في الهام حدُّهُ … وقائمة في كفه ما تعثرا
كأن أخاه السيف أعطي صبره … فلم يبرح الهيجاء حتى تكسرا
له الله مفطوراً من الصبر قلبه … ولوكان من صم الصفا لتفطرا
ومُنعطفٍ أهوى لِتقبيلِ طفله … فقبّل منه قبله السهمُ منحرا
لقد وُلدا في ساعة ٍ هو والردى … ومن قبله في نحره السهم كبرا
وفي السبي ممّا يصطفي الخِدر نسوة ٌ … يعز على فتيانها أن تسيرا
حمت خدرها يقضى وودت بنومها … تردَّ عليها جفنها لا على الكرى
مشى الدهرُ يوم الطف أعمى فلم يدع … عماداً لها إلاّ وفيه تعثّرا
وجشمها المسرى يبيداء قفرة … ولم تدر قبل الطف ماالبيد والسرى
ولم تر حتى عينها ظل شخصها … إلى أن بدت في الغاضريّة خُسّرا