إذا ما ذكرتَ اللهَ في غسق الدجى – محيي الدين بن عربي
إذا ما ذكرتَ اللهَ في غسق الدجى … دُجى الجسمِ لو عند الصباحِ إذا بدا
صباحُ الذي يحيى به الجسم عندما … هوَ الروحُ لكنْ بالمزاجِ تبلدا
فلا يأخذُ الأشياءَ منْ غيرِ نفسهِ … ولكن بآلاتٍ بها سرُّه اهتدى
فأمسى فقيراً بعد أن كان ذا غنى … وأصبحَ عبداً بعدَ أنْ كان سيدا
لقد خلته رُوحاً كريماً منزهاً … فأصبح ريحاً عنصرياً مُجسَّدا
وكانَ جليساً للخضارمة ِ العلى … بمقعدِ صدقٍ للنفوسِ مؤيدا
لقد كان فيهم ذا وقار وهيبة ٍ … فلما ارتدى الجسمَ الترابيَّ ألحدا
وأجرى له نهراً من الخمر سائغاً … فلمَّا تحسى شربة ً منهُ عربدا
وكان له فوق السموات مشهدٌ … فلمَّا رأى الأرضَ الأريضة أخلدا
وكان لما يلقاه بالذاتِ قائلاً … وكانَ إذا ما جاءَه الوحيُ أسجدا
وقدْ كانَ موصوفاً فأصبحَ واصفاً … كما كانّ ذا قصدٍ فأصبحَ مقصدا
كما كانَ فيما نالَ منهُ موحداً … فأصبح فيما نيل منه موحدا
وفي عالمِ البعدِ الذي قدْ رأيتهُ … رأيتُ لهُ في حضرة ِ القربِ مقعدا
ولما تجلّى مَن تجلى بنعتهم … رأيتهمُ خرّوا بكياً وسجّدا
وأصعقهمْ وحيٌ من اللهِ جاءهمْ … فلمَّا أفاقوا قلتُ : ماذا فقال: دا
أصابهمُ في حالِ نشأة ِ ذاتهم … ولن يصلحَ العطارُ ما الدهر أفسدا
فقلت: وهل ميزتني في رعيلهم … فقالَ : وهل عبدٌ يصيرُ مسودا
جعلتكمُ في أرضِ كوني خليفة ً … وأبلستُ منْ ناداكَ فيها وفندا
وأسجدتُ أملاكي وكانوا أئمة … لرتبتك العليا فأمسيت معبدا
نهيتك عن أمر فقاربته ولم … نجد لك عزماً إذ نرى منك ما بدا
وقمت لكم فيه بعذر مُبين … بوّئت داراً خالداً ومخلدا
كما قال من أغواكمُ غير عالم … بما قالهُ إذْ قالَ قولاً مسددا
وحار بخسران إلى أصل خلقه … كنورِ سِراجٍ في ظلام توقَّدا
يضيء لإبصارٍ ويحرقُ ذاته … عن أمر إلهي أتاه فما اعتدى