ذادَ عن مُقْلِتي لذيذَ المنامِ – ابن الرومي

ذادَ عن مُقْلِتي لذيذَ المنامِ … شُغلها عنهُ بالدموعِ السجامِ

أيُّ نومِ من بعد ما حل بالبصْ … رَة ِ من تلكمُ الهناتِ العظام

أيُّ نومِ من بعد ما انتهك الزَّنْ … جُ جهارا محارم الإسلام

إنَّ هذا من الأمورِ لأمْرٌ … كاد أن لا يقومَ في الأوهام

لرأينا مُسْتَيْقظين أموراً … حسبُنا أن تكونَ رُؤيا منام

أقدم الخائنُ اللعينُ عليها … وعلى الله أيَّما إقدام

وتسمى بغير حقٍّ إماماً … لا هدى اللَّهُ سعيه من إمام

لهفَ نفسي عليكِ أيَّتُها البص … رة ُ لهفاً كمثل لهْبِ الضِّرام

لهف نفسي عليك يا معدن الخي … رات لهْفاً يُعضُّني إبهامي

لهف نفسي يا قُبَّة َ الإس … لام لهفاً يطولُ منه غرامي

لهف نفسي عليكِ يا فُرضة َ البل … دانِ لهفاً يبْقى على الأعوام

لهف نفسي لجمعكِ المتفاني … لهف نفسي لِعِزكِ المُستضام

بينما أهلُها بأحسنِ حالٍ … إذ رماهمْ عبيدُهمْ باصطلامِ

دخلوها كأنهم قِطع اللْي … لِ إذا راحَ مُدْلَهِمَّ الظلام

طلعُوا بالمُهَنَّداتِ جِهْراً فألقتْ … حملها الحاملات قبل التمَّام

وحقيقٌ بأن يُراع أناسٌ … غومضوا من عدوهم باقتحام

أيَّ هَوْل رأوا بهمْ أيّ هَوْلٍ … حُقَّ منه تشيبُ رأسُ الغلام

إذ رموْهُمْ بنارهم من يمينٍ … وشِمال وخلفِهمْ وأمام

كم أغصُّوا من شاربٍ بشراب … كم أغصُّوا من طاعمِ بطعام

كم ضنينِ بنفسهِ رامَ مَنْجًى … فتلقّوا جبينه بالحسام

كم أخٍ قد رأى أخاهُ صريعاً … تِربَ الخَدِّ بينَ صَرْعى كرامِ

كم أبٍ قد رأى عزيزَ بنيه … وهْوَ يُعلَى بصارمِ صمصام

كم مُفدًّى في أهلهِ أسْلمُوه … حين لم يحْمِه هنالك حامي

كم رضيع هناكَ قد فطموه … بشبا السيف قبل حينِ الفطام

كم فتاة بخاتم الله بكر … فضحوها جهر أبغير اكتتام

كم فتاة ٍ مصونة قد سبوْها … بارزاً وجهها بغير لثام

صبحوهُمْ فكابدَ القومُ منهم … طولَ يومٍ كأنه ألفُ عامِ

ألفُ ألفٍ في ساعة ٍ قتلُوْهم … ثم ساقوا السِّباءَ كالأغنام

من رآهُنَّ في المساقِ سبايا … دامياتِ الوجوهِ للأقدام

من رآهنَّ في المقاسم وسْطَ الزْ … نج يُقَسَّمْنَ بينهمُ بالسِّهام

من رآهُنَّ يتَخذن إماءً … بعد ملْكِ الإماء والخُدَّام

ما تذكرتُ ما أتى الزنج إلاَّ … أُضرم القلب أيّما إضرام

ماتذكرتُ ما أتى الزنج إلاَّ … أوجعْتَني مرارة ُ الإرغام

رُبَّ بيعٍ هناك قد أرخصُوهُ … طال ما قدْ غلا على السُّوَّام

رُبَّ بيتٍ هناك قد أخرجُوهُ … كان مأوى الضِّعافِ والأيتام

رُبَّ قصْرٍ هناك قدْ دخلوه … كان من قبلِ ذاك صَعْبَ المرام

رُبَّ ذي نعمة ٍ هناك ومالٍ … تركوهُ مُحالفَ الإعدام

رب قوم باتوا بأجمعِ شَمْلٍ … تركوا شملَهُمْ بغير نظام

عرِّجا صاحبيَّ بالبصرة ِ الزَّهْ … راء تعريج مُدنف ذي سقام

فاسْألاها ولا جوابَ لديها … لسؤال ومن لها بالكلام

أين ضوضاءُ ذلك الخلقِ فيها … أين أسواقُها ذواتُ الرِّخام

أين فُلْكٌ فيها وفُلْكٌ إليها … مُنشآتٌ في البحر كالأعلام

أين تلك القصورُ والدورُ فيها … أين ذاكَ البنيانُ ذو الإحكام

بدِّلتْ تِلكُمُ القصورِ تِلالا … من رمادٍ ومن تُراب رُكامِ

سُلِّطَ البَثْقُ والحريقُ عليهم … فتداعت أركانُها بانهدامِ

وخلتْ من حُلولها فهْي قَفْرٌ … لاترى العين بين تلك الأكام

غيرَ أيْدٍ وأرْجُلِ بائناتٍ … نُبذَتْ بينهنَّ أفلاقُ هام

ووجوهٍ قد رمَّلْتها دماءٌ … بأبي تلكمُ الوجوه الدوامي

وَطِئتْ بالهوانِ والذُّلِّ قسراً … بعد طولِ التبجيلِ والإعظام

فتراها تَسْفي الرياحُ عليها … جارياتٍ بهبوة وقتام

خاشعاتٍ كأنها باكيات … باديات الثغور لا لابتسام

بل ألِمَّا بساحة ِ المسجدِ الجا … مع إنْ كُنْتُما ذَوِي إلمام

فاسألاهُ ولا جوابَ لدْيهِ … أين عُبَّادهُ الطوالُ القيام

أينَ عُمَّاره الأُلى عمَّروهُ … دَهْرهُمْ في تلاوة وصيام

أين فِتيانه الحِسانُ وجُوهاً … أين أشياخُهُ أولو الأحلام

أيُّ خَطْبٍّ وأيُّ رُزْء جليلٍ … نالنا في أولئكَ الأعمام

كم خذلنا من ناسكٍ ذي اجتهادٍ … وفقيهٍ في دينهِ علاَّم

واندامي على التَّخلُّفِ عنهمْ … وقليل عنهُم غناء نِدامي

واحيائي منهُمْ إذا ما التقينا … وهُمُ عند حاكم الحُكّام

أيُّ عُذْرٍ لنا وأيُّ جوابٍ … حين نُدْعَى على رؤوسِ الأنامِ

يا عبادي أما غَضِبْتُم لوجهي … ذي الجلال العظيم والإكرام

أخذلتُمْ إخوانكَمُ وقعدْتُمْ … عنهُمُ ويحْكم قُعودَ اللئام

كيف لم تعطفوا على أخواتٍ … في حِبال العبيدِ من آل حام

لم تغاروا لغيرتي فتركتُم … حرماني لمن أحلَّ حرامي

إنَّ من لم يَغَرْ على حُرُماتي … غيرُ كُفْءٍ لقاصراتِ الخيام

كيف ترضى الحَوراء بالمرءِ بَعْلاً … وهو من دونِ حُرمة لا يُحامي

واحيائي من النَّبيِّ إذا ما … لامني فيهم أشدَّ الملام

وانقطاعي إذا هُمُ خاصموني … وتولَّي النبيُّ عنهُمْ خصامي

مثِّلُوا قولهُ لكُمْ أيُّها النَّا … سُ إذا لامكُمْ مع اللُّوام

أُمَّتي أينَ كُنْتُمُ إذْ دَعتْني … حُرَّة ٌ من كرائمِ الأقوام

صرختْيامُحمّداهُفهلاَّ … قام فيها رعاة ُ حقي مقامي

لم أجبْها إذ كنتُ مَيْتاً فلولا … كان حيٌّ أجابها عن عِظامي

بأبي تلكُمُ العِظامُ عظاما … وسقَتْها السماءُ صوْبَ الغمام

وعليها من المليك صلاة ٌ … وسلامٌ مؤكَّدٌ بسلام

انفروا أيها الكرام خفافاً … وثقالاٍ إلى العبيد الطغام

أبْرمَوُا أمرهُمْ وأنتُمْ نِيامٌ … سوءة ً سوءة ً لنوْمِ النيام

صدِّقوا ظنَّ إخوة أمَّلوكم … ورجوْكُمْ لنبوة ِ الأيامِ

أدْرِكوا ثأْرَهُمْ فذاك لديْهِم … مثلُ ردِّ الأرواحِ في الأجسامِ

لم تُقِرُّوا العيونَ منهم بِنَصْرٍ … فأقِرُّوا عيونهمْ بانتقام

أنقِذُوا سَبْيُهُمْ وقلَّ لهُمْ ذا … ك حفاظاً ورعْيَة ً للذِّمام

عارُهُمْ لازمٌ لكُمْ أيُّها النَّا … سُ لأنَّ الأديانَ كالأرحام

إن قعدتُمْ عن اللعينِ فأنْتُمْ … شركاءُ اللَّعينِ في الآثامِ

بادروهُ قبلَ الروَّية ِ بالعَزْ … م وقبل الإسراج بالإلجام

من غدا سرجُهُ على ظهرِ طِرف … فحرامٌ عليه شدُّ الحزام

لا تطيلوا المقام عن جنَّة الخل … دِ فأنتمْ في غير دار مُقام

فاشتروا الباقيات بالعرض الأد … نى وبِيعوا انقطاعه بالدَّوام