ألوَى بقلبك من غُصون الناسِ – ابن الرومي
ألوَى بقلبك من غُصون الناسِ … غصنٌ يتيه عل غصون الآسِ
بل شادنٌ ذو نعمة ٍ في نعمة ٍ … يكتنُّ منها في أكنِّ كناسِ
ظبيٌّ يصيد ولا يُصاد مُحاذرٌ … نَبْلَ الهوى وحبَائل الإيناسِ
غِرٌّ شَموس إن أحسَّ بريبة ٍ … أعجِبْ بجامع غِرة ٍ وشماسِ
يسبي القلوبَ بمقلة مكحولة ٍ … بفتورِ غُنْجٍ لا فتور نعاسِ
ومقبَّلٍ عذبٍ كأن نسيمَهُ … وَهْناً نسيم منابت البَسباسِ
أُثني عليه بطيب فيه ولم أنلْ … منه نوالاً قط غير خِلاس
قمر يجود بأن أراه حسرة ً … ويضن بالإرشاف والإلماسِ
يُذكي الجوى ويذودني عن مشربٍ … خَصر العُلالة ِ للجوى مسَّاسِ
وإذا شكوت إليه طول عذابه … فأقلُّ قاسٍ رحمة ً لمُقاسي
لقد استوى تَقْويمه ولقد غَدا … لا تستوي حالاهُ عند قياسِ
يتحمل الأوزارَ لا يعيَ بها … في كل مأسورٍ بدار تناسي
وإذا خطا أعياه ثقْل مؤَزَّرٍ … يرتجُّ تحت موشَّحٍ ميَّاسِ
فتراه يمشي في الدِّهاس وإنما … يمشي فيجذبه كثيبُ دَهاس
يا للرجال ألا معينَ لأَيِّدٍ … صبّ الفؤاد على ضعيفٍ قاس
أيَضيمُني خَنِث الشمائل لو نضا … عنه غِلالته حَساهُ حاس
ومن العجائب أن تحل ظُلامة ٌ … بفتى أناسٍ من فتاة أناس
ولقد ينال من القويِّ ضعيفُهُ … ككُليبٍ الطاغي وكالجسَّاس
إن أَصلَ من نارَيْ هواه وهجره … ما قد أملَّ حديثُه جُلاَّسي
فقد اصطلى ناري هوى وعقوبة … قبلي سُحيم في ابنة الحَسْحاس
إن الكتابة أصبحت عربية ً … زهراء ترغب عن بني الأكداس
خطبت شريفاً طاهراً وتنزهت … عن أدنياء علمتُهم أرجاس
قد كانت الأقلام في أيامهم … حُمراً فعادت أيَّما أفراس
تجري إلى الغايات في حَلَباتها … وتجوسُ دار الكفرِ كلَّ مَجاسِ
بأغرَّ أبلجَ لم تزل أيامهُ … مشغولة ً بالكَيس لا بالكاس
بين الحداثة والرثاثة سِنُّهُ … وكذاك سنّ البازلِ القِنعاس
لقي التجارب غانياً عن عُونها … بقريحة ٍ أذكى من النِّبراس
ذاك الذي استكفاه رِعية َ أمره … كافي الخلائف من بني العباس
فغدا له في زَينه وغنائه … كالعين وهي أعزُّ ما في الراس
ألقى مراسيَهُ لديه وما له … إلاّ المحبة والوفاء مَراسي
يُمضي مكائدهُ إلى أعدائِه … كالنَّبل صادرة ً عن الأَعْجاسِ
بل كالمقادر إن تحصَّن دونها … مُتحصِّن هجمتْ مع الأنفاس
لله إسماعيلُ واحد عصره … من جارح في النائبات وآس
المستضاءُ الوجه في بُهَم الدّجى … والمستضاءُ الرأي في الأبئاس
تجري الأمورُ على السَّداد إذا جرت … أقلامُهُ في ساحة ِ القِرطاس
أقلامُ ميمونِ النقيبة ِ حازمٌ … يجرين بالإنعام والإبئاس
ما انْفكَّ يُرعِفها دماً ويمجُّها … عسلاً مدادهما من الأنفاس
يا سائِلي عنه سألتَ عن امرىء ٍ … تلْقاهُ وهو من الفضائل كاس
تلقى مُغِيماً مُشمِساً في حالة ٍ … هَطِل الإغامة نيِّر الإشماس
فلنا ندى من كفِّهولنا هدى ً … من رأيه في الليل ذي الأغباس
ما ضرَّ مهتدياً به في حندسٍ … عُدُم الهداة ِ وغيبة ُ الأقباس
ماءٌ بلا رنقٍ إذا ما استُعرضت … أخلاقهُنار بغير نُحاس
جمع السلامة َ والشهامة إنه … شخصٌ يحوز محاسنَ الأجناس
لَذكاؤه لهبُ الحريقِوحلمُهُ … أندى وأبرد من ندى الأغلاس
وترى شهيداً ظاهراً من جوده … بمغيِّبٍ من جوده هجاس
قد قلت حين رأيتُ باطن كفِّه … أندى من المتحلِّب الرجاس
ورأيت جمرة َ ذهنه ولهيبَها … في ساعة ِ التبليد والإبلاس
عجباً لأقلامِ الوزيروكيف لا … تستبدل الإيراق بالإيباس
بل كيف لا تأتجُّ في آلاته … نيرانُ هاجسة ٍ بغير مساس
لَحَقَقْنَ أن يُورِقن من ذاك النَّدى … أو يحترقن بذلك المِقباسِ
قدِّمه إن ذكر المكارمَ ذاكرٌ … فحظوظه منهن غير خِساس
قصد المحامدَ حين أكسد تَجْرها … فابتاع كاسدها بغير مِكاس
ورأى العلا مهجورة ً فأوى لها … وحنى عليها والقلوبُ قَواس
وأما وإسماعيلَ حلفة صادقٍ … راعي الرعاة ِ وسائسِ السُّواس
لولا شجاعتهُ لهاب طريقة ً … خشناء مقفرة ً من الأُنَّاس
ولمثلُه ركب المهيبة وحدَهُ … وتحمل العظمى بغير مَواس
فيه اثنتان يقلّ من يحويهما … في دهرنا ويجلّ في المقياس
ينسى صنيعته ويذكر وعدَهُ … أكرِمْ بذلك من ذَكورٍ ناس
أضحت به الدنيا رياضاً كلها … والدهر كالأعياد والأعراس
وكأنما آباؤهُ وجدودهُ … نُشِروا به طراً من الأرماسِ
برجائه اكتست الركابُ رحالها … وبجودِه عَريتْ من الأحلاس
صرف السماعُ نوى المقلِّد نحوهُ … وحدا القياسُ إليه بالقَيَّاس
فكلاهما صَدَقَتْهُ عنه شُهودُهُ … واستبدل الإدراكَ بالإيجاس
عند امرىء ٍ حُرِسَ الأنامُ بحزمه … وكأن ثروته بلا أحراس
يا أيها الغيث الذي بغياثه … أضحت عَواري الأرض وهي كَواس
أنا من سؤالك بين ميسور الغنى … لا شك فيهوبين مُلك الياسص ستُنيلُني الآمال أو ستردني
ملكاً بيأس من جميع الناس … من ذا تخيبُهُ فتطمع نفسُهُ
في رفد غيرِك آخرَ الأحراس … أم من تَهشُّ له فيرجفُ قلبهُ
خَوفَ المفاقر غير ذي وسواس … أعتقتَ من أعطيته وحرمتهُ
من مطمع أبداً ومن إفلاس … من تُعْطه يسعدْ ومن لا تُعطه
يسعدْ بصَوْنِكَهُ عن الأدناسِ … وكذا الكريمُ حباؤهُ وإباؤهُ
أمران ما بكليهما من باس … وهابُ يأسٍ أو إياس مُنفسٍ
ولربَّ يأس قد وَفَى بإياس … والرفدُ يُمنَحه الفتى حظاً له
واليأسُ يُكْساهُ أعزَّ لِباس … أنت الذي إن جادَ عادوإن أبى
ترك الكِذاب لمعشرٍ أنكاس … يَعِدون راجيهم مَواعدَ لا يَني
منهن في تعبٍ وطولِ مِراس … ويَدِرُّ دَرُّكَ للأُلى يبغونَهُ
عفواً بلا مسح ولا إبساس … مهما أُتيتَ فأنت فيه مسدِّدٌ
سهمَ الصوابِ لكفة ِ البُرجاس … فالناس من تكرارِ وصفك بالحجا
ومن الثناء عليك في مدراس … من قائلٍ اكرِمْ به أو قائل
أحزِم به في المَتْحِ والإمراس … إلاّ عدواً أخرستْهُ ضغينة ٌ
لا زال منها الدهرَ في إخراس … ولقد أقول لحاسدٍ لك لن يرى
عُتَبي سوى الإرغامِ والإتعاس … ما أنت ويبكَ من أبي الصقر الذي
تركتْ تَعَاطيه مُنى الأكياس … سلِّم لإسماعيل إني ناصحٌ
لك والْهُ عن وَسْواسِك الخناس … حاوِلْ مَعاطِفهُ فهن نواعمٌ
واترك مَكاسِرهُ فهن عَواس … وكذا عهدتك ليِّناً ذا ميعة ٍ
يَسَر الخلائق مُحصَد الأمراس … ممن تراعى الوحشُ حول فنائه
وتُراعُ منهُ الأسد في الأخياس … يهتزّ عودك للنسيم وإن جرت
نُكبَاً مُعَصِّفة ً فعودك عاس … وتَخفُّ للداعي اللهيف وإن بدا
روعٌ يخفُّ له فطودُك راس … كم خفَّ نهضُك للدعاة وكم رَسَتْ
قدماك في يومٍ عَراك عماسِ … لك عدلُ ذي تقوى وظلم أخي ندى
لا ظلم غصَّابٍ ولا بخّاس … فإذا وهبت ظلمت مالك مُحسناً
وإذا حكمت وزَنْت بالقسطاس … إن كنتَ يوماً مدرِكي بإغاثة ٍ
فاليوم يا ابن السادة الرُّواس … أنا بين أظفار الزمان وخائف
منه شبا الأنياب والأضراس … والنائبات لمن نسيت ذواكرٌ
لكنهن لمن ذكرتَ نَواس … فامنُنْ عليَّ بنظرة ٍ تنجِي بها
شِلوي من الفَرّاسة النُّهّاس … فكم اشتليتَ من امرىء ٍ مُستلحمٍ
وفرستَ من مستأسدٍ فراس … وهب الإله لما بنيتَ من البُنا
شَرَف الذُّرى ووثاقة الآساس … خذها وإن قلّت لمثلك تُحفة ً
من فاخرات ملابس اللُّباس … إن شئت قلت مليحة ٌ ما ضرّها
أن لم يقلها المكتني بنُواس … أو شئتَ قُلتَ جميلة ٌ ما عابها
أنْ لم يقلها المكتنِي بفراس … يا حُسنها بكراً وعند ولادِها
ما أنت مانحها وذاتَ نِفاس … هل أنتَ ذاكرُ موعدٍ قدَّمتهُ
أم أنت ناسٍ ذاك أم متناس … بي من درورِكَ واختصاصك جانبي
بالجدب حرُّ صَلاً وحَزُّ مَواس … طال الغليل وقد سقيتَ معاشراً
دوني وما صبروا على الإخماس … ن