يا طَيْرُ إِنَّا فِي غَد طَيْرُ – بشار بن برد
يا طَيْرُ إِنَّا فِي غَد طَيْرُ … روحي فإنَّ البينَ تبكيرُ
قد أطلب الحاجة َ من مشرفٍ … مِنْ دُونِها زَأْرٌ وتَنْفِيرُ
وقد تعاطيني عراقيَّة ً … كأنَّها إذ جليت نورُ
لا تسألي عن شأننا كلِّه … منْ أثَرِي عافٍ ومَقْفُورُ
ما كل ما عندي أثنى به … يُطْوَى الْخَنَا والْخَيْرُ مَنْشُورُ
وَشَاعِرٍ تَقْذَى بِنَا عَيْنُهُ … حيناً ولا يهديه تبصيرُ
قلتُ له إذ هدرت جنهُ … وكثُرَتْ عَنْهُ الأَخَابِيرُ
لَوْلاَ أتَاتِي أصْبَحَتْ شُرَّعاً … فِيكَ وَغَنَّى بِكَ طُنْبُورُ
بَدَا نَذيرٌ لَكَ مِنْ نَاصِحٍ … والعود حيَّاتٌ مناكيرُ
عجبتُ من ساعٍ إلى جمرتي … حين أصاختْ لي المعاشيرُ
يَسْعَى إِلَى نَارِي ولمْ أَدْعُهُ … إنَّ أبا عمرو لمقرورُ
قد زرت أملاكَ بني هاشمٍ … وزارني البيضُ المعاصيرُ
من كلِّ حوراءَ هضيم الحشا … غالى بها نبتٌ وتوقيرُ
يزيدها طيباً إذا أقبلت … ثغرٌ وطرفٌ فيه تفتيرُ
وحلية ٌ يحفلها عصفرٌ … كأنَّه في البرس تنُّورُ
ورُبَّمَا زُرْتُ أخاً ماجِداً … تَشْقَى بكَفَّيْهِ الدَّنَانِيرُ
للّهِ ندْمَاني أبُو وابص … مَا شأنُهُ بُخْلٌ وَتقْصيرُ
فتى ً يباري كأسه كفَّهُ … جوداً وبعضُ القوم خنزيرُ
باكرته أعشو إلى ناره … شوقاً وما ضاقتْ بيَ الدُّورُ
فظلَّ يَقْليني وَأفْترُّهُ … كلٌّ بما يصنع مسرورُ
حَتَّى إِذَا اليَوْمُ مَضَى كُلُّهُ … وبَاحَ بالْمَكْتُوم سُرْسُورُ
ورَاعَنَا في مِيمِهِ كافِرٌ … خَلِيفة الشَّمْسِ وتَسْتِيرُ
وأغتلَّها زورُ أبي وابصٍ … شتاً فهزَّتهُ المآخيرُ
دعا لنا الحورُ عليها الحيا … يا حبَّذا الحور المعاطيرُ
بتنا نعاطيها رهاويَّة ً … وهي عكافٌ بيننا صورُ
تزيِّنُ الشَّربَ وقد زانها … في الدُّرِّ شَبَّتْهُ التَّمَاصِيرُ
جُوفٌ مُصيخَاتٌ وإِنْ قُبِّلَتْ … حنَّت كما حنَّ المشاويرُ
يَشْدُونَ أصْوَاتاً مَدِينِيَّة ً … وضَرْبَ مَكِّيٍّ لهُ صُورُ
تبكي المزاميرُ لها تارة ً … شجواً تحكيها المزاهيرُ
وأنا محبورٌ بتغريدها … إِمَّا تَدَاعَى الْبَمّ والزِّيرُ
ثمَّ انقضى ذاك فلم أبكه … غالَ نعيمَ العيشِ تكديرُ
دع ذا فإنَّ الغرَّ من هاشمٍ … أَبْنَاءُ دَاوُودَ الْمَسَاعِيرُ
يغدون للحربِ بأقرانها … صِيدٌ إِذَا هَاب العَوَاويرُ
بِالسِّيْبِ منْهُمْ نَفَرٌ سادة ٌ … إِليْهِمُ تُلْقِي الْجَمَاهِيرُ
قل للغواة ِ الطَّالبي شأوهمْ … لايُدْرِكُ الرِّيحَ المَجَامِيرُ
كم من كريمٍ من بني هاشمٍ … مهدى ً به الصِّحَّة ُ والخيرُ
لِلْمُلْكِ عبَّاسٌ وأبْناؤُهُ … قِدْماً ولِلْحُشِّ الْخَنَازيرُ
مِثْلَ سُلْيمَان ومَنْ مِثْلُهُ … تَحْتَ الْوَغَى والسَّيْفُ مَشْهُورُ
نِصْفَانِ منْ جُودٍ وَمِنْ عزَّة ٍ … لايَسْتميه العَسْكَرُ الْخُورُ
في صدره حلمٌ وفي درعه … ليْثٌ عَلَيْه التَّاجُ مَزْرُورُ
تستبشرُ البيضُ بلقيانه … طُوْراً وتَخْتَالُ الْمَنابِيرُ
يعرقن خرِّيتاً عليه النَّدى … كالبرد إذ تمَّ به النير
عطاؤهُ دفقٌ وموعودهُ … طِيبُ الثَّنا والْوَجْهُ مَنْصُورُ
يستهلكُ المال ويبقي الحجا … وَليْسَ منْهُ الكَلِمُ الْعُورُ
قد قدِّر الحمدُ على وجهه … تَحُفُّهُ الشُّمُّ الْمَغَاوِيرُ
واللّه ماعِنْدي سوَى بِرِّه … والملك الصالح مبرورُ
صحَّتهُ كالماء في مدِّه … يَقْرِي بِهِ جُودٌ وتَبْكيرُ
فغمَّ حسَّادي وحبَّرتهُ … بالحمد إن الحمد تحبيرُ
زَانَ سُليْمَان بَنِي هاشِمٍ … كما يزين الكاعبَ السُّورُ
مِنْ حِلْمِهِ حِلْمٌ ومِنْ حَزْمِه … حزمٌ ومن نعماهُ تيسيرُ
ضرَّابُ أعناق وفكَّاكها … فسيفهُ مسكٌ وتأمورُ
يمحو بجودٍٍ بخلَ إخوانه … والذَّنب تمحوهُ المقاديرُ