لقد كنت أحيانا صبورا فهاجني – الفرزدق
لَقَدْ كُنتُ أحْياناً صَبُوراً فَهاجَني … مَشاعِفُ بالدّيرَينِ رُجْحُ الرّوادِفِ
نَواعِمُ لمْ يَدْرِينَ ما أهْلُ صِرْمَةٍ … عِجافغ وَلمْ يَتبَعنَ أحمالَ قائِفِ
وَلَمْ يَدّلِجْ لَيْلاً بِهنّ مُعَزِّبٌ … شَقيٌّ وَلمْ يَسمَعن صَوتَ العَوَازِفِ
إذا رُحْنَ في الدّيباجِ، والخَزُّ فَوْقَهُ، … مَعاً، مثل أبكارِ الهِجانِ العَلائِفِ
إلى مَلْعَبٍ خَالٍ لَهُنّ بَلَغْنَهُ … بدَلِّ الغَوَاني المُكرَماتِ العَفائِفِ
يُنازَعْنَ مَكنُونَ الحَديِثِ كأنّما … يُنازعْن مِسكاً بالأكُفّ الدّوَائِفِ
وَقُلْنَ للَيْلى: حَدّثِينا، فَلَمْ تكدْ … تَقُولُ بِأدْنَى صَوْتِها المُتَهانِفِ
رَوَاعِفُ بِالجادِيّ كُلَّ عَشِيّةٍ، … إذا سُفْنَهُ سَوْفَ الهِجانِ الرّوَاشِفِ
بَناتُ نَعِيمٍ زانَها العيشُ والغِنى … يَمِلنَ إذا ما قُمنَ مثلَ الأحاقِفِ
تَبَيّنْ خَليلي هَلْ تعرَى من ظَعائِنٍ … لِمَيّةً أمْثالِ النّخِيلِ المَخارِفِ
تَواضَعُ حَت يَأتي الآلُ دُونَها … مِراراً وَتَزْهاها الضّحى بالأصَالِفِ
إذا عَرَضَتْ مَرّتْ على الُّلجّ جَارِياً، … تَخالُ بها مَرَّ السّفِينِ النّوَاصِفِ
يَجُورُ بهَا المَلاّحُ ثُمّ يُقيِمُها، … وَتَحْفِزُها أيْدي الرّجالِ الجَوَاذِفِ
إليكَ ابن خيرِ الناسِ حمّلتُ حاجَتي … عَلى ضُمّرٍ كُلّفن عَرْضَ السّنائِفِ
بَناتِ المَهاري الصُّهْبِ كلِّ نَجيبَةٍ … جُمَالِيّةٍ تَبْرِي لأعْيَسَ رَاجِفْ
يَظَلّ الحَصى مِنْ وَقْعِهِنّ كأنّما … تَرَامى به أيدي الأكُفّ الحَوَاذِفِ
إذا رَكِبَتْ دَوّيّةً مُدْلَهِمّةً، … وَصَوّتَ حاديِهَا لَها بِالصّفاصِفِ
تَغالَيْنَ كالجِنّانِ حَتى تَنُوطهُ … سُرَاها وَمَشْيُ الرّاسِمِ المُتَقاذِفِ
عِتاقٌ تَغٍشّتْها السُّرَى، كُلَّ لَيلَةٍ، … وَرُكْبانُها كالمَهْمَهِ المُتَجانِفِ
كأنّ عَصِيرَ الزّيْتِ مِمّا تَكَلّفَتْ … تَحَلّبَ مِنْ أعْناقِها وَالسّوَالِفِ
عَوَامِدُ للعَبّاسِ لمْ تَرْضَ دُونَهُ … بقَوْمٍ وَإنْ كانُوا حِسانَ المطارِفِ
لتَسْمَعَ مِنْ قَوْلي ثَناءً وَمَدْحَةً، … وَتَحَمِلَ قَوْلي يا ابنَ خَيرِ الخَلائِفِ
وَكمْ من كَرِيمٍ يَشتكي ضَعْفَ عظمه … أقَمْتَ لَهُ ما يَشتَكي بالسّقائِفِ
وآَمَنْتَهُ مِمّا يَخافُ، إذا أوَى … إلَيْكَ، فَأمْسَى آمِناً غَيرَ خائِفِ
وأنْتَ غِياثُ المُمحِلِينَ إذا شَتَوْا، … وَنُورُ هِدىً يا ابنَ المُلُوكِ الغطارِفِ
ثَنائي على العَبّاسِ أكْرَمِ من مشَى … إذا رَكِبُوا ثمّ التَقَوْا بِالمَوَاقِفِ
تَراهُمْ، إذا لاقاهِمُ يَوْمَ مَشْهَدٍ، … يَغُضّونَ أطرَافَ العُيُونِ الطّوَارِفِ
وَلَوْ ناهَزُوهُ المَجْد أرْبَى عَلَيْهِمُ … بِخَيْرِ سُقَاةٍ، تَعلَمونَ، وَغارِفِ
وَتَعْلُو بُحُورَ العالمِينَ بحُورُهُمْ، … بِفِعْلٍ عَلى فِعْلِ البَرِيّةِ ضَاعِفِ
ومَا وَلَدَتْ أُنْثَى مِنَ النّاسِ مِثْلَهُ، … وَلا لعفّهُ أظْآرُهُ في اللّفائِفِ
وَلمّا دَعا الدّاعُونَ وانْشَقّتِ العَصَا، … وَلمْ تَخْبُ نِيرَانُ العَدُوّ المُقاذِفِ
فَزَعْنا إلى العَبّاسِ مِنْ خَوْفِ فِتَنةٍ … وَأنْيَابِها المُسْتَقْدِماتِ الصّوَارِفِ
وَكَمْ مِنْ عَوانٍ فَيْلَق قَدْ أبرْتَها … بأُخْرَى إلَيها بالخَميسِ المُرَاجِفِ
فَقَدْ أوْقَعَ العبّاسُ إذْ صَارَ وَقَعةً … نهَتْ كُلّ ذي ضِغْنٍ وَداءٍ مُقارِفِ
وَأغَنَيتَ مَن لمْ يَغنَ من أبطإ السُّرَى، … وَقَوّمْتَ دَرْءَ الأزْوَرِ المُتَجانِفِ
وَأنتَ الّذي يُخْشَى وَيُرْمى بك العدى … إذا أحْجَمَتْ خَيلُ الجيادِ المَخالِفِ
سَمَوْتَ فلمْ تَترُكْ على الأرْضِ ناكثاً، … وَآمَنْتَ مِنْ إحيائِنا كُلَّ خائِفِ
أبَرْتَ زُحُوفَ المُلْحِدِينَ وَكِدتَهم … بمُسْتَنصِرٍ يَتْلُو كِتابَ المَصَاحِفِ
تَأخّرَ أقْوَامٌ، وَأسْرَعْتَ للّتي … تُغَلّلُ نُشّابَ الكَميّ المُزَاحِفِ
وَأنْتَ إلى الأعْدَاءِ أوّلُ فَارِسٍ … هُناكَ، وَوَقّافٌ كَرِيمُ المَوَاقِفِ
بِضَرْبٍ يُزيلُ الهَامَ عَنْ مُستَقَرّهِ، … وَطَعْنٍ بِأطْرَافِ الرّماحِ الجَوَائِفِ
سَبَقتَ بأهْلِ الكوفةِ المَوْتَ بَعدَما … أُرِيدَ بإحدى المُهلِكاتِ الجَوَالِفِ
فَلمْ يُغنِ مَن في القصرِ شيئاً وَصَيّحوا … إلَيكَ بأصْوَاتِ النّساءِ الهَوَاتِفِ
أخُو الحَرْبِ يَمْشِي طاوِياً ثمّ يَقتدي … مُدِلاًّ بِفُرْسَانِ الجيِادِ المَتَالِفِ
يُغادِرْنَ صَرْعَى مِنْ صَناديدَ بَينَها … بِسُورَاءَ في إجْرَائِها وَالمَزَاحِفِ
وَما طَعِمَتْ مِنْ مَشَرَبٍ مُذ سقيَتها … بِتَدْمُرَ إلاّ مَرّةً بِالشّفَائِفِ
مِنَ الشّأمِ حتى باشَرَتْ أهْلَ بابلٍ … وَأكْذَبْتَ مِمّا مّعُوا كلَّ عائِفِ
وَقَدْ أبْطَأ الأشْيَاعُ حَتى كَأنّما … يُساقُونَ سَوْقَ المُثْقَلاتِ الزّوَاحِفِ
لَعَمرِي لقد أسرَيتَ لا لَيل عاجزٍ … وَما نمتَ فيمَنْ نامَ تحتَ القَطائِفِ
فَجاءوا وَقَدْ أطفَأتَ نِيرَانَ فِتْنَةٍ، … وَسكّنتَ رَوْعاتِ القُلُوبِ الرّوَاجِفِ