يُعانُ المُستعينُ بِكَ البعيدُ – ابن الرومي
يُعانُ المُستعينُ بِكَ البعيدُ … وحَظِّي من معونتك الزَّهيدُ
وما ذنبي إليكَ سوى جوارٍ … قريبٍ مثلما قرُبَ الوريدُ
وَوُدٍّ بين شيخَينَا قديم … على الأيام مَعقدُهُ وَكيدُ
وقُربى نِحلتي أدبٍ ورأيٍ … بأبعدَ منهما قَرُبَ البعيدُ
وأَنِّي لمْ يزل أملي قديماً … عَقيدَكَ ما تقدَّمهُ عقيدُ
سَبَقتُ به إليكَ لدنْ كلانا … وليدٌ أو يُضارعه الوليدُ
وكان القلب يُؤنِسُ منك رُشداً … وليسَ بِكاتِم الرُّشْد الرَّشيدُ
ويشهدُ أن ستسمو للمعالي … فتبلُغَها فما كذب الشَّهيدُ
فمالكَ حَادَ عُرفُ يديك عني … وما للعرف عن مثلي مَحيدُ
ومالي لا أزال لديكَ أُحبَى … حَباءًيُجتَوى منه المزيدُ
دَهَاني من جفائك ما دهاني … ولم يكُ للزَّمان به وَعيدُ
عذرتُكَ لو عرفتكَ خارجيَّاً … طريفَ المجد ليس له تليدُ
فقلتُ رأى قديمي فيه نقْضٌ … فلست أحبُّه ما عادَ عيدُ
فكيفَ ولستَ تَعلمُني عليماً … بنقص في قديمكَ يا سعيدُ
ألست المرءَ والده حَميدٌ … وحسبكَ من سناءٍ لا أزيدُ
ألستَ ابن الذين غنوا قديماً … هُمُ الأحرار والناسُ العبيدُ
أتحسبني زهاك الحظ عندي … فَحَشوُ جوانحي حسد شديدُ
وما حسدي وشأنُكَ غيرُ شأني … أيحسدُ صائداً ما لا يصيدُ
وكيف وما وقعتَ أمامَ ظنِّي … وكيف وما حظيتُ كما أُريدُ
لئن أرضاك هذا الحظُّ حظاً … فإني مُستريثٌ مُستزيدُ
ألم تر أن نُعمى اللَّه شنَّتْ … عليك فطالها شخص مديدُ
أفدْ ما شئتَ من جاهٍ ومالٍ … فأنتَ لديَّ تُزهي ما تُفيدُ
أيزهي شخصَ مثلكَ عند مثلي … أبا عثمان سِربالٌ جديدُ
وليس ابنُ المقفَّع في نَقيرٍ … لديكَ إذا عُدِدْتَ ولا يزيدُ
ولا كُلثومٌ المجموعُ فيه … إلى الخُطب الرَّسائلُ والقصيدُ
ولا عبدُ الحميد وإنْ زهاه … تَقَادُمُ عهدهِشَهدَ الحَميدُ
فكيف أراك تقصُرُ عن منالٍ … وأنتَ الفردُ في الناس الوحيدُ
يراك بمثلِ تلكَ العينِ أعْشَى … وحاشا منْ لهُ بصرٌ حديدُ
وبَعدُفقد ترى استغلاقَ أَمري … وطولَ حِرَانِهِ ما يَستَقيد
وعندكَ إن أردتَ النَّفعَ نفعٌ … وعندي ضِعفُهُ شُكرٌ عتيدُ
فهبْ لي محضراً يشفي ويكفي … إذا أبدأتَ فيه لا تعيد
تهزُّ به الأميرَ فليس يُغني … عن الهزِّ السُّرَيجيِّ الرَّديدُ
أترضى أن حُرمتُ وفاز غيري … بآمال لها طلع نضيدُ
وأنت لكلَّ مَكرُمة ٍ عِمادٌ … أجلْ ولكلَّ ذي كرم عَميدُ