يدعوك معتل وأنت بعيد – جبران خليل جبران
يدعوك معتل وأنت بعيد … بالأمس كنت تعوده وتعيد
عز العزاء على السقيم يلج في … نسماته التصويب والتصعيد
أأبا المروءة إن خطبك خطبها … أو لم تفارقها وأنت شهيد
تشفى الجسوم وبعد نأيك أنفس … لا النوح يشفيها ولا التنهيد
رزأتك طائفة يحار محبها … أنى يعزيها وأنت فقيد
كانت بعهدك أسرة قومتها … فنمت وما بفروعها تأويد
وبكى بك الأردن أحصف عامل … لرقيه ما يستزاد يزيد
راع تخير خطة فغدا بها … ومثاله بين الرعاة فريد
علامة بحاثة متضلع … من دأبه التصويب والتسديد
في كتبه للعرب تاريخ به … يجلى العتيد ولا يغيب عهيد
ترثي صروح الخير بانيها الذي … لم يدخر فيها له مجهود
والى رعايتها وفي أيامه … لم يبطل التأسيس والتشييد
فاليوم إن لم يبكه عقب له … فمن الأولى ربى بكاه عديد
كم نشأ النشء الضعيف ورصانه … فأعد جيل للبلاد جديد
ترثي الحصافة والثقافة والتقى … من عاش لا ذم ولا تفنيد
هيهات أن تنسى مناقبه التي … في كل ناد فاح منها عود
أين الصداقة لا مداجاة بها … والجود أنفع ما يكون الجود
آداب حبر ملكته بلينها … ما ليس يملك والمراس شديد
أخلاق حر لا يخالف عهده … وعن السبيل القصد ليس يحيد
تلك الفضائل بلغته مكانة … عزت وكان بها له تمهيد
أدناه عبد الله منه فبات في … نعمى وطالعه لديه سعيد
هل مثل عبد الله في أهل النهى … ملك بصير بالأمور رشيد
بحسامه وبرأيه بلغ الذرى … فخرا فما يسمو إليه نديد
وببأسه في الحرب أثبت أنه … بطل الجهاد الباسل الصنديد
كائن له ولآله دين على … أوطانهم والعالمون شهود
لو لم ينل اسمى الفخار بنفسه … لكفاه آباء سموا وجدود
يا أيها المحبون ذكرى بولس … هذا التحدث بالحميد حميد
هل ضم حفل من أكابر أمة … ما ضم منهم حلفه المشهود
وبه الائمة والولاة وكل من … في قومه هو سيد وعميد
وافوا ليقضوه الوداع فما ترى … إلا وفود تلوهن وفود
في المسلمين وفي النصارى ماله … إلا ولي صادق وودود
يا من نودعه أنجزع للنوى … والأمر أمر الله حين يريد
من خص مثلك بالمروءة عمره … فلذكره الإكرام والتخليد
جزعت لعبد الله ينعى ببكرة … ولا عوض عنه وليس له ند
تفرد في مصر أديبا وعالما … فوا حربا أن يهوي العلم الفرد
فجعنا به لا يحمد العيش بعده … فرحماك يا ربي له ولك الحمد