يا طيفُ أَلاَّ زُرتَنا بسَوادِ – الشريف المرتضى

يا طيفُ أَلاَّ زُرتَنا بسَوادِ … لما ” تصرعنا ” حيالَ الوادي

ما كانَ ضرَّك والوُشاة ُ بمعزِلٍ … عنا جميعاً لو طرقتَ وسادي ؟

والرّيُّ فيكَ وقد صَدَدْتَ فقل لنا … منا علينا كيف ينقعُ صادِ ؟

من أجلِ أنّكَ تَسْتَبينُ على الكَرى … أهوى الرقادَ ولاتَ حين رقادِ

و الحبُّ داءٌ في القلوبِ سقامهُ … خافٍ على الرُّقباءِ والعُوّادِ

يا زورة ً من باخلٍ ” بلقائهِ ” … عجلتْ عطيتهُ على الميعادِ

تركَ البياضَ لآمنٍ وأتى بهِ … فَرَقَ الوشاية ِ في ثيابِ حدادِ

ولقد طرقتُ الخدْرَ فيه عقائلٌ … ما قِلْنَ إلاّ في ضميرِ فؤادي

لمّا وردتُ خيامَهُنَّ سَقَينني … من كلَّ معسولِ الرضاب برادِ

و مخضبِ الأطرافِ صدّ بوجههِ … لما رأى شيبي مكانَ سوادي

و الغانياتُ لذي الشبابِ حبائبٌ … و إذا المشيبُ دنا فهنّ أعادِ

شعرٌ تبدل لونهُ فتبدلتْ … فيهِ القلوبُ شَناءَة ً بودادِ

لم تَجنِهِ إِلاّ الهمومُ بِمَفْرَقي … و يخال ” جاء به مع الميلادِ “

ولقد تكلَّفني الوشاة ُ وأَفرجوا … عن جامحٍ متصاممٍ متمادِ

يلحَى العذولُ، وتلكَ منه سَفاهة ٌ … وفؤادُه في الحبِّ غيرُ فؤادي

حتى كأنّ له صلاحي في الهوى … دون الخلائقِ أو عليه فسادي

من مبلغٌ ملكَ الملوكِ رسالة ً … مِنْ رائحٍ بثنائهِ أو غادِ؟

كم زارني وأنا البعيدُ عن الندى … منْ سيبِ كفكَ من لهاً وأيادِ

عفواً كماانخرقَتْ شآبيبُ الحَيا … مِن غيرِ إبراقٍ ولا إرعادِ

نِعَمٌ غلبْنَ على المزيدِ فما تَرى … طَمعاً يجاوِزُهُنَّ للمُزْدادِ

لمّا كَثُرنَ عليَّ منك تبرُّعاً … وتفجُّراً كثَّرنَ مِن حُسَّادي

كنتُ المشمرَ قبلها ولبستها … فمشيتُ فيها ” ساحباً أبرادي “

متأطراً أشراً كزعزعة ِ الصبا … أفنانَ فرعِ الأيكة ِ الميَّادِ

و لأنتَ يا ملك الورى في معشرٍ … طالوا مدى الأنجادِ والأمجادِ

فاتوا الأنامَ وحَلَّقوا في شاهقٍ … عالٍ على الأعلامِ والأطوادِ

لا يتركون ذُرى الأسرَّة عزَّة ً … إلاّ إذا رَكبوا ظهورَ جيادِ

قومٌ إذا اشتجر القنا ورأيته … كالغابِ كانوا فيه كالآسادِ

وإذا مضتْ عَرَضاً أحاديثُ الوغَى … قَلِقَتْ سيوفُهُم من الأغمادِ

الضاربينَ القرنَ وهْوَ مُصمِّمٌ … بصوارمٍ بيضِ المتونِ حِدادِ

و الحاطمينَ غداة َ كلَّ كريهة ٍ … في الدَّارعينَ صدورَ كلِّ صِعادِ

و الراسخين وهضبُ يذبلَ طائشٌ … ” والمقفرين ” مكامن الأحقادِ

” وتراهمُ ” كرماً خلالَ نعيمهمْ … مُتَنصِّتين إلى غياثِ مُنادِ

سَعدَتْ بطالِعكمْ وبارك ربُّكمْ … فيما حَوى واديكُمُ مِن وادِ

ففناؤه مجنى المكارم واللها … و مجاثمُ الطلابِ والروادِ

للهِ درك نصبَ عورة ِ حادثٍ … حدباً ترامى دونها وترادى

والخيلُ دامية ُ الجلودِ كأنَّما … لُطِخَتْ على أجسادِها بجِسادِ

في ظهرِ روعاءِ الفؤادِ كأنها … نجمٌ تهور أوْ شرارُ زنادِ

و القومُ أعناقٌ بغيرِ كواهلٍ … حصدتْ وأجسامٌ بغير هوادِ

أمّا القلوبُ فهنَّ فيكَ أصادِقٌ … و لمن سواك مصادقٌ ومعادِ

ألفتهنَّ على الندى فتألفتْ … بدداً على الإثناءٍ والإحمادِ

و أنا الذي واليتُ فيك مدائحاً … كالشّمسِ طالعة ً بغيرِ بلادِ

يترنمّ الخالي بهنّ وربما … وَنَتِ الرِّكابُ فكنَّ حَدْوَ الحادي

يا لَيْتَهُنَّ عُرِضْنَ عندكَ من يدي … و سمعنَ حين سمعنَ من إنشادي

فامْنُنْ بتقريبٍ إليك أفُزْ بهِ … يا مالكَ التَّقريبِ والإبعادِ

فالخطّ عندك ” عصمتي ” ووثيقتي … و الرأيُ منك ذخيرتي وعتادي

و أحقُّ بالإدناءِ من حجراتكمْ … كلفٌ يوالي فيكمُ ويعادي

أنتمْ ملاذي في الخُطوبِ وأنتُمُ … إنْ زلَّ بالمكروهِ منه عِمادي

أوْ سعتمُ لما نزلتُ بكمْ يدي … وأَطبْتُمُ لمّا أضَفْتُمْ زادي

وأَريتموني بالمكارمِ أنَّني … لم أدرِ كيفَ خلائِقُ الأجوادِ

” سبلٌ ” من الأباءِ لما غيبوا … في الأرض عنه أقامَ في الأولادِ

فاسلمْ لنا ملكَ الملوكِ ولم تزلْ … تَبقَى على الدُّنيا بغيرِ نَفادِ

و اسعدْ بنيروزِ أتاك مبشراً … ببلوغِ كلِّ محبَّة ٍ ومُرادِ

يمضي ويأتيك الزمان بمثلهِ … أبداً يلفُّ مَراوحاً بمغادِ

لا رابَنا فيك الزَّمانُ ولم تَزَلْ … يَفْديكَ مِنّا كلَّ يومٍ فادِ

في عزِّ مُلكٍ كالثُّريّا مُرتقًى … شَثِنِ المرائِرِ ثابتِ الأوتادِ