يا دار اهلك بالسلامة عادوا – جبران خليل جبران
يا دار اهلك بالسلامة عادوا … لا النفي أنساهم ولا الإبعاد
بشراك أن كان الذي أملته … والكائدون تميزوا أو كادوا
ذادوا جسوما عن تحية ركبهم … هل عن تحيته النفوس تذاد
زارته قبل عيوننا آمالنا … وتقدمت أبدانها الاكباد
اليوم عيد في الكنانة كلها … هيهات تدرك جاهه الأعياد
كان الصفاء به بتم لأهلها … لو لم يشب ذاك الصفاء حدا
فلحكمة يخشى الجبابر بأسها … ويخاف لفتة عدلها الحسا
ضدان جاءا في مقام واحد … لم تجتمع في مثله الأضداد
بالساعة البيضاء حين تبلجت … أذن المهيمن أن يلم سواد
فبدا على الحالين شعب آخذ … بأجل قسط منها وبلاد
أرت النهاية في تجلة أمة … لملوكها ما أخلصوا وأفادوا
أهلا وسهلا بالذين ركابهم … حراسه الأرواح والأجناد
مهما يكن فرح فليس ببالغ … فرح اللقاء وما به ميعاد
كيف اغتباط عشيرة أولتهم … محض الولاء وما يظن معاد
ظلت على رعي الذمام مقيمة … وتغير الآناء والآراد
لقلوبها أرب وحيد شامل … ومآرب الناس العداد عداد
والقوم إن صدقوا الهوى أيمانهم … فمرادهم أبد الأبيد مراد
أهلا وسهلا بالألى لهمو على … قرب وبعد ذمة ووداد
النازلين من السواد بحيث أن … فات العيون فللقلوب سواد
الشائقين نهى العباد وما رأى … منهم سوى الأثر الجميل عباد
لا بل رآهم كل راء فضلهم … فيما كسوا أو أطعموا أو شادوا
من كل مفخرة تصور حسنهم … فيراه في تصويرها الأشهاد
الشمس في أوج السماء ورسمها … في الماء يدنيه السنى الوقاد
ولها بتعداد الأشعة في الندى … صور يضيق بحصرها التعداد
في كل صنع يجتلى صناعه … وبجودها تتمثل الأجواد
شرفت أم المحسنين مباءة … هش النبات وبش جماد
وازينت بك بعد أن خلفتها … وكأن زخرفها عليه رماد
فإذا نظرت فكم جديد حولها … تزهى به الأغوار والأنجاد
ألنيل ضحاك إليك بوجهه … بشرا وقد يلفى شجاه بعاد
والروض مهدية إليك سلامها … فتسمعي ما يحمل الإنشاد
ألبلبل المحكي يوقع لحنه … والطير مجمعة تقول يعاد
أي الجزاء يفي بما لك من يد … بيضاء ليس يفي بها الإجماد
بل من طوالع للسعود بعثتها … في كل موقع شقوة ترتاد
ومن مفاخر في البلاد ثوابت … أخلدتها ولمثلها الإخلاد
تبنين للوطن الرجال وإنما … هم في مدارس شدتها أولاد
ومن الرمال تصاغ أصلاد الصفا … وبهن تحمي الوادي الأطواد
لله بين بني نوالك فتية … طلبوا الفنون فأتقنوا وأجادوا
زادوا كنوز الشرق من تحف بما … في الغرب قصر دونه الأنداد
وأتوا ضروبا من بدائع حذقهم … خلابة لم يأتها الأجداد
فاليوم تجمل في فخار بلادهم … مستحدثات العصر والأبلاد
وسوى المدارس كم بيوت عبادة … أسست حيث تشتت العباد
ومضايف وملاجيء ومواصف … تشفى بها الأرواح والأجساد
تلك الفضائل نولتك مكانة … في الناس قبلك نالها أفراد
واستعبدت لك يا مليكة معشرا … حرا يشق عليه الاستعباد
يا خير منجبة لأسنى من نما … في النبعتين أعزة أمجاد
للمالكين السائدين بني الأولى … ملكوا زمام العالمين وسادوا
لو صوروا شخص الكمال لكنته … وبحسن فعلك حسنه مزداد
ما غبت عنا كيف غيبة من لنا … في كل مكرمة بها استشهاد
ذكراك في أفواهنا يحلو لنا … تردادها ان أسأم الترداد
وحياض رفدك لم تشح ولم يزل … عنها كعهدك يصدر الورا
عيشي طويلا وابسطي الظل الذي … هو رحمة ونزاهة ورشاد
إني رفعت تهانئي وقبولها … هو من لدنك السعد والإسعاد
حررتها وسواد عيني يشتهي … لو كان منه للسطور مداد