يا بعدَ غاية ِ العينِ إنْ بعدوا – أبو تمام

يا بعدَ غاية ِ العينِ إنْ بعدوا … هيَ الصبابة ُ طولَ الدهرِ والسهدُ

قالُوا: الرَّحيلُ غداً لاشَكَّ، قُلْتُ لَهُمْ … اليوْمَ أيقَنْتُ أنَّ اسْمَ الْحِمامِ غَدُ

كَمْ مِن دَمٍ يُعْجِزُ الْجيْشَ اللُّهَامَ إِذَا … بانوا ستحكمُ فيهِ العرمسُ الاجدُ

ما لامرىء ٍ خاضَ في بحرِ الهوى عمرٌ … إلاَّ ولِلْبَيْنِ مِنْهُ السَّهْلُ والْجَلَدُ

كأنَّما البيْنُ مِنْ إِلْحَاحِهِ أَبَداً … على النُّفُوسِ أَخٌ لِلْموْتِ أَوْ وَلَدُ

تَدَاوَ مِنْ شَوْقِكَ الأَقْصَى بما فَعَلَتْ … خَيْلُ ابنِ يُوسُفَ والأبطالُ تَطَّردُ

ذاكَ السرورُ الذي آلتْ بشاشتهُ … أَلاَّ يجَاورَهَا في مُهْجَة ٍ كَمَدُ

لَقِيتَهُمْ والمَنَايَا غَيْرُ دَافِعَة ٍ … لما أمرتَ بهِ والملتقى كبدُ

في مَوْقِفٍ وَقَف الْمَوْتُ الزُّعَافُ بهِ … فالْمَوْتُ يُوجَدُ والأَرْوَاحُ تُفْتَقَدُ

في حَيْثُ لا مَرْتَعُ البِيضِ الرقاقِ إذا … أصلتنَ جدبٌ ولا وردُ القنا ثمدُ

مُسْتَصْحِباً نِيَّة ً قد طَالَ ما ضَمِنَتْ … لكَ الخطوبَ فأوفتْ بالذي تعدُ

ورُحْبَ صَدْرِ لَو أنَّ الأَرْضَ وَاسِعَة ٌ … كَوُسْعِهِ لم يَضِقْ عن أَهْلِهَا بَلَدُ

صدعتَ جريتهمْ في عصبة ٍ قللٍ … قدْ صَرَّحَ الماءُ عَنها وانجلى الزَّبَدُ

مِنْ كل أَرْوَعَ تَرْتَاعُ المنونُ لَهُ … إذا تجردَ لا نكسٌ ولا جحدُ

يكادُ حينَ يلاقي القرن منْ حنقٍ … قبْل السنَانِ عَلَى حَوبَائِهِ يَرِدُ

قَلُّوا، ولكنَّهْمْ طَابُوا، فأَنْجَدَهُمْ … جَيْشُ مِنَ الصَّبْرِ لا يُحصَى لَهُ عَدَدُ

إذا رأوا للمنايا عارضاً لبسوا … مِنَ الْيَقينِ دُرُوعاً مالَها زرَدُ

نأوا عن المصرخِ الأدنى ، فليسَ لهمْ … إلا السيوفَ على أعدائهمْ مددُ

وَلَّى مُعَاوِيَة ٌ عَنْهمْ وقدْ حَكمت … فيه القَنَا، فأَبَى الْمِقْدَارُ والأَمَدُ

نَجَّاكَ في الرَّوْعِ مَا نَجَّى سَمِيَّكَ في … صِفينَ والْخَيْلُ بالْفُرْسَانِ تنجَرِدُ

إن تنفلتْ وأنوفُ الموتِ راغمة ً … فاذهبْ فأنتَ طليقُ الركضِ يا لبدُ

لاخَلْقَ أرْبَطُ جَأْشاً مِنْكَ يَوْم تَرى … أبا سعيدٍ ولم يبطش بكَ الزؤدُ

أمَا وقدْ عِشْتَ يَوْماً بَعْدَ رُؤْيَتِه … فافخَرْ فإنَّكَ أنت الفارِسُ النَّجُدُ

لوْ عاينَ الأسدُ الضرغامُ رؤيتهُ … ما ليمَ أن ظنَّ رعباً أنهُ الأسدُ

شتانَ بينهما في كلِّ نازلة ٍ … نَهْجُ القَضَاءِ مُبينٌ فيهما جَدَدُ

هَذَا عَلى كَتِفَيْهِ كُل نازِلَة ٍ … تُخشَى ، وذَاكَ على أَكْتَافِهِ اللبَدُ

أعيا عليَّ وما أعيا بمشكلة ٍ … بسندبايا ويومُ الروعِ محتشدُ

منْ كانَ أنكأَ حداً في كتائبهمْ … أأنتَ أمْ سيفكَ الماضي أم الأحدُ؟

لا يومَ أكثرُ منهُ منظراً حسناً … والْمَشرَفيَّة ُ في هَامَاتِهمْ تخِدُ

أنهَبْتَ أَرْواحَهُ الأرْمَاحَ إذْ شُرِعَتْ … فَما تُرَدُّ لِرَيْبِ الدَّهْرِ عَنْهُ يَدُ

كأنها وهيَ في الأوداجِ والغة ٌ … وفي الكلى تجدُ الغيظ الذي نجدُ

مِنْ كل أزرَقَ نَظَّارٍ بِلا نظرٍ … إلى المقاتل ما في متنهِ أودُ

كأنَّهُ كان تِرْبَ الْحُب مُذْ زَمَنٍ … فليسَ يعجزهُ قلبٌ ولا كبدُ

تركتَ منهم سبيلَ النارِ سابلة ً … في كل يومٍ إليها عصبة ٌ تفدُ

كأنَّ بابك بالبذينِ بعدهمُ … نُؤيٌ أقامَ خِلافَ الْحَي أوْ وَتِدُ

بكل مُنعَرَجٍ مِنْ فارِسٍ بَطَلس … جَنَاجِنٌ فِلَقٌ فيها قَنا قِصَدُ

لما غدا مظلمَ الأحشاءِ منْ أشرٍ … أسكَنت جانحَتَيْهِ كَوْكباً يَقِدُ

وهَارِبٍ ودخيلُ الروْعِ يَجْلُبُهُ … إلى المنونِ كما يستجلبُ النقدُ

كأنَّما نَفسُهُ مِن طولِ حَيْرَتِها … منها على نفسهِ يومَ الوغى رصدُ

تالله ندري : أألإسلامُ يشكرها … مِن وقعة ٍ أَمْ العبَّاس أَمْ أُدَدُ

يَوْمٌ به أخَذَ الإسلامُ زينَتَهُ … بِأَسْرِهَا واكتسَى فَخْراً به الأبَدُ

يومٌ يجيُ إذا قام الحسابُ ولمْ … يذممهُ بدرٌ ولم يفضحْ به أحدُ

وأهلُ موقانَ إذْ ماقوا فلا وزرٌ … أنجاهمُ منكَ في الهيجا ولا سندُ

لمْ تبقَ مشركة ٌ إلاَّ وقدْ علمتْ … إن لم تتبْ أنهُ للسيف ما تلدُ

وَالبَبْرُ حِينَ اطْلَخَمَّ الأَمْرُ صبَّحهُمْ … قَطْرٌ مِنَ الْحَرْبِ لَمَّا جَاءَهُمْ خَمدُوا

كادَت تُحَلُّ طُلاَهُمْ مِنْ جَماجمهمْ … لوْ لمْ يحلوا ببذلِ الحكمِ ما عقدوا

لكن ندبتَ لهمْ رأيَ ابنِ محصنة ٍ … يخاله السيفُ سيفاً حين يجتهدُ

في كلِّ يومٍ فتوحٌ منكَ واردة ٌ … تَكادُ تَفهمُهَا مِن حُسْنها البُرُدُ

وَقَائِعٌ عَذُبَتْ أَنْبَاؤُهَا وحَلَتْ … حَتَّى لَقَدْ صارَ مَهْجُوراً لها الشُّهُدُ

إنَّ ابنَ يوسفَ نجى الثغرَ منْ سنة ٍ … أَعْوامُ يُوسُفَ عَيْشٌ عِنْدَها رَغَدُ

آثارُ أموالكَ الأدثارِ قد خلقتْ … وخَلَّفَتْ نِعماً آثارُها جُدُدُ

فافْخَر فَمَا من سَماءٍ للنَّدى رُفِعَتْ … إِلاَّ وأَفْعالُكَ الحُسْنَى لها عَمَدُ

واعْذِرْ حَسُودَكَ فيما قد خُصِصْتَ به … إِنَّ العُلَى حَسَنٌ في مِثْلِها الْحَسَدُ