ومن العجائبِ يا أبا الفيَّاض – ابن الرومي
ومن العجائبِ يا أبا الفيَّاض … تبديلُك الإقبالَ بالإعراضِ
أعزِزْ عليَّ بما رأيت فإنه … مرضٌ بُليتَ به من الأمراض
ما إن أسيتُ لأن ظلمك هاضني … لكن أسيتُ لرأيكَ المنْهاضِ
يا من صِناعتُه الدعاءُ إلى العُلا … ناقضتَ في فعلَيْك أيّ نِقاض
أمِنَ العُلا تركُ الوفاءِ لصاحبٍ … لم تَقْضِه النكْراءَ عن إقراض
عجبا لحضَّاض الكرامِ على الذي … هو فيه مُحتاجٌ إلى حَضَّاض
وصفَ المكارم وهو فيها زاهدٌ … ورأى الجميلَ وفيه عنه تَغَاضي
لم ألقَ كالشعراءِ أكثر حارِضاً … وأشدَّ معْتية ً على الحُرَّاض
كم فيهمُ من آمرٍ برشيدة ٍ … لم يأْتِها ومُرَغّبٍ رفَّاض
يا حَسْرتا لمودَّة ٍ أدبية ٍ … لم نفترق عنها افتراقَ تراضي
ليس العتابُ بنافعٍ في قاطع … أعيا المشيبُ تتابعَ المقراض
الآن أيقنَ بعد غَدْرِكَ رائدي … أنَّ البروقَ كواذبُ الإيماض
خَذْ من حِبالك ما نكثتَ مُصاحِباً … يا صاحبَ الإنكاثِ والإنقاض
فيما أفاد بك الزمانُ من النُّهى … عِوضٌ وفاءٌ منك للمُعتاضِ
والودُّ حقٌ ما رأيتُ أداءَهُ … مُتَيَسِّراً لمطالبٍ بتقاضي
جَمَحَ الغِنى بك جَمْحة ً مذْكورَة ً … فادفع أعنَّتَهُ إلى الرُّواضِ
واسْوأتا إن ضاقَ ذَرْعُك بالغنى … عِند ادِّراعِ قميصه الفضْفاض
رتَّبْتَ قدْرَك دونَ ما مُلِّكتَه … لا ظُلمَ أنت عليه أعدلُ قاضي
ما سُخْطُنا لك خُطة ً مُسْخُوطة ً … تُضحي وأنت بها لنفسك راضي
أإن اجتنيتَ جنَى الكرامِ لقيتَني … بتجهُّمِ البيضاءِ نبْذَ بياض
يا جاني التمر اللذيذ مذاقة ً … ما لي أراك كآكل الحمّاض
لا تُزهَيَنَّ بما مَلكتَ فلم تكن … من قَبْلها حَرَضاً من الأحراض
قدْ كان قبرُ أبي شُراعَة مُطلِقا … لك أن تتيهَ بجرهِ الفيَّاض
أبديتَ لي حبْلَ التكبُّرِ فاحتقبْ … عدلاً تبيتُ له بليلِ مخاض
ولما هجوْتُك بل وعظتُك إنني … لا أجعل الأعراض كالأغراض
فاكفُفْ سِهامَك عن أخيك فإنما … آسفتَه فرمَاك بالمِعراض
ومتى هجَوْتَ مُعاتِباً لك مُنصِفاً … فلديهِ عزمٌ في هجائك ماضي
واعلم بأنك إن وردْتَ على الذي … نهنهتَ عنه وردْتَ شرَّ حياض
ومتى نَفَحْتَ من الهِجاء بنفحة ٍ … عالت فريضتُها على الفُرَّاض
لستُ الحليمَ عن السَّفيه أخي الخنا … كلاّ ولا الواني عن الركَّاض
قد جرَّبَتْ منّي الوقائعُ باسلاً … أبقى الزَّمانُ به نُدوبَ عِضاضِ
أنا من يرى المكوى أقلَّ هِنائهِ … ويقابلُ الأخلالَ بالأحْماضِ
فليبْرأ الجَرْبَى فلستُ كمن لقُوا … ما أبعد المِكْوَى من الخضْخاضِ
أنا من سَمِعتَ به وحسْبُك خِبرة ً … بأخيك ذاك المُبرمِ النقَّاض
فمتى حَلُمتُ لقيتَ أحنفَ دَهرِهِ … ومتى جهلتُ مُنيتَ بالبرَّاض
فاعذِرْ أخاك على الوعيدِ فإنما … أنذرتُ قبل الرّمي بالإنباض
أنذرتُ نبلي أنها إن أُرسلتْ … لم تُبقِ باقية ً من الأعراض
واعلمْ وُقيتَ الجهل أن خساسة … بطر الغِنَى ومذلة الأنفاض