ولا تأخُذْ عن الأعْرابِ لهْواً، – أبو نواس
دَعِ الأَطلالَ تَسفيها الجَنوبُ … وَتُبلي عَهدَ جِدَّتِها الخُطوبُ
وخَلّ لِراكِبِ الوَجْناءِ أرْضاً … تَخُبُّ بها النَّجيبة ُ والنّجيبُ
بلادٌ نَبْتُها عُشَرٌ وطَلْحٌ، … وأكثرُ صيْدِها ضَبُعٌ وذيبُ
و لا تأخُذْ عن الأعرابِ لهْواً، … ولا عيْشاً فعيشُهُمُ جَديبُ
دَعِ الألبانَ يشْرَبُها رِجالٌ، … رقيقُ العيشِ بينهُم غريبُ
إذا رابَ الْحَلِيبُ فبُلْ عليهِ، … و لا تُحرَجْ فما في ذاك حُوبُ
فأطْيَبُ منْه صَافِية ٌ شَمُولٌ، … يطوفُ بكأسها ساقٍ أديبُ
يسْعى بها ، مثل قرنِ الشَّمس، ذو كفلٍ … يشْفي الضَّجيعَ بذي ظَلْمِ وتَشْنيبِ
أقامَتْ حِقْبَة ً في قَعْرِ دَنٍّ، … تفورُ، وما يُحَسُّ لها لهيبُ
كأنّ هديرَها في الدّنّ يَحْكي … قِرَاة َ القَسّ قابلَهُ الصّليبُ
تَمُدُّ بها إليكَ يدَا غُلامٍ … أغَنّ ، كأنّهُ رَشأٌ رَبيبُ
غذّتهُ صنْعة ُ الدّاياتِ حتّى ، … زَها، فَزَهَا به دَلٌّ وطيبُ
يَجُرُّ لكَ العِنانَ ، إذا حَساها ، … و يفتحُ عقد تكّته الدّبيبُ
و إن جَمّشْتهُ خَلَبَتْكَ منهُ … طَرَائِفُ تُسْتَخَفّ لَها القُلوبُ
ينوءُ برِدْفهِ، فإذا تمشّى … تَثَنّى ، في غَلائِلِهِ، قَضِيبُ
يكادُ من الدّلالِ، إذا تَثَنّى … عليْكَ ، ومن تساقطهِ، يذوبُ
و أحمقَ من مُغيّبة ٍ تـراءى … إذا ما اخْتانَ لَحْظَتَها مرِيبُ
أعاذِلَتي اقْصُري عن بعْضِ لوْمي، … فراجي توبتي عندي يخيبُ
تَعيّبين الذّنوبَ، وأيّ حُرٍّ، … مِن الفِتيانِ، ليسَ لَهُ ذنوبُ
فهذا العيشُ لا خِيمُ البوادي ، … و هذا العيشُ لا اللبن الحليبُ
فأيْنَ البدْوُ من إيوان كِسْرَى ، … وأيْنَ منَ المَيادينِ الزُّرُوبُ؟
غرِرْتِ بتوبتي ، ولججْتِ فيها ، … فشُقّي اليومَ جيبَكِ لا أتوبُ