ود جرير اللؤم لو كان عانيا – الفرزدق

وَدّ جَرِيرُ اللّؤمِ لَوْ كَانَ عانِياً، … ولَمْ يَدنُ منْ زَأرِ الأسودِ الضّرَاغمِ

فإنْ كُنتُما قَدْ هِجتُماني عَلَيكْمَا … فلا تَجَزَعَا وَاسْتَسمِعا للمُرَاجِمِ

لمِرْدَى حُرُوبٍ مِنْ لَدُنْ شدَّ أزْرَهُ … مُحامٍ عن الأحسابِ صعَبِ المَظالِمِ

غَمُوسٍ إلى الغاياتِ يُلْفَى عَزِيمُهُ، … إذا سَئِمَتْ أقْرَانُهُ، غَيرَ سَائِمِ

تَسُورُ بِهِ عِنْدَ المَكَارِمِ دارِمٌ، … إلى غايَةِ المُسَتَصْعَباتِ الشّداقِمِ

رَأتْنَا مَعدُّ، يَوْمَ شَالَتْ قُرُومُها، … قِياماً على أقْتَارِ إحْدَى العَظائِمِ

رَأوْنَا أحَقَّ ابْنيْ نِزَارٍ وَغَيْرِهِمْ، … بإصْلاحِ صَدْعٍ بَيْنَهُمْ مُتَفاقِمِ

حَقَنّا دِمَاءَ المُسلِمينَ، فأصْبَحَتْ … لَنَا نِعْمَةٌ بُثْنى بهَا في المَواسِمِ

عَشِيّةَ أعْطَتْنَا عُمَان أُمُورَهَا، … وَقُدْنَا مَعدّاً عَنْوَةً بِالخَزَائِمِ

وَمِنّا الّذِي أعْطَى يَدَيْهِ رَهينَةً … لغارَيْ مَعَدٍّ يَوْمَ ضَرْبِ الجَماجمِ

كَفَى كُلَّ أُمٍّ ما تَخافُ على ابْنِها، … وَهُنّ قِيَامٌ رَافِعاتُ المَعاصِمِ

عَشِيّةَ سَالَ المِرْبَدانِ كِلاهُمَا … عَجاجَةَ مَوْتٍ بالسّيُوفِ الصّوَارِمِ

هُنالِكَ لَوْ تَبغي كُلَيباً وَجْدْتَهَا … بِمَنْزِلَةِ القِرْدانِ تَحْتَ المَناسِمِ

وَمَا تَجعَلُ الظِّرْبَى القِصَارَ أُنُوفُها … إلى الطِّمّ من مَوْجِ البحارِ الخَضَارِمِ

لهَامِيمُ، لا يَسطِيعُ أحمالَ مثلِهمْ … أنُوحٌ وَلا جاذٍ قَصِيرُ القَوائِمِ

يَقولُ كِرَامُ النّاسِ إذْ جَدّ جِدُّنا، … وَبَيّنَ عَنْ أحْسَابِنَا كُلُّ عالِمِ

عَلامَ تَعَنّى يا جَرِيرُ، وَلمْ تَجِدْ … كُلَيْباً لهَا عَادِيّةٌ في المَكَارِمِ

وَلَسْتَ وَإنْ فَقَّأتَ عَيْنَيكَ وَاجداً … أباً لَكَ، إذْ عُدّ المَساعي، كدارِمِ

هوَ الشّيخُ وَابنُ الشّيخِ لا شَيخَ مثلَه، … أبُو كُلّ ذِي بَيْتٍ رَفِيعِ الدّعَائِمِ

تَعنّى مِنَ المَرّوتِ يَرْجُو أرُومَتي … جَرِيرٌ على أُمّ الجِحاشِ التّوَائِمِ

وَنِحْياكَ بالمَرّوتِ أهوَنُ ضَيْعةً، … وَجَحشاكَ من ذي المأزِقِ المُتَلاحِم

فَلَوْ كُنتَ ذا عَقْلٍ تَبَيّنْتَ أنّما … تَصُولُ بِأيْدِي الأعجَزِينَ الألائِمِ

نَماني بَنُو سَعْدِ بنِ ضَبّةَ فانتَسِبْ … إلى مِثْلِهِمْ أخوَالِ هاجٍ مُرَاجِمِ

وَضَبّةُ أخْوَالي هُمُ الهَامَةُ الّتي … بهَا مُضَرٌ دَمَاغَةٌ للجَمَاجِمِ

وهَلْ مِثْلُنا يا ابنَ المَرَاغَةِ إذْ دَعَا … إلى البَأسِ داعٍ أوْ عِظامِ المَلاحِمِ

فَما مِنْ مَعَدّيٍّ كِفَاءً تَعُدُّهُ … لَنا غَيرَ بَيْتَيْ عَبدِ شَمسٍ وَهاشِمِ

وَما لَكَ مِنْ دَلْوٍ تُواضِخُني بهَا، … ولا مُعِلِمٍ حَامٍ عَنِ الحيّ صَارِمِ

وَعِنْدَ رَسُولِ الله قام ابنُ حابسٍ … بُخطّةِ سَوّارٍ إلى المَجْدِ حازِمِ

لَهُ أطْلَقَ الأسْرَى الّتي في حِبَالِهِ … مُغَلَّلَةً أعْنَاقُهَا في الأداهِمِ

كَفَى أُمّهَاتِ الخائفِينَ عَلَيْهِمُ … غَلاءَ المُفادِي أوْ سِهَامَ المُسَاهِمِ

فَإنّكَ وَالقَوْمَ الّذِينَ ذَكَرتَهُمْ … رَبِيعَةَ أهْلَ المُقْرَباتِ الصّلادِمِ

بَناتُ ابنِ حَلاّبٍ يَرُحْنَ عَلَيْهِمُ … إلى أجَمِ الغابِ الطّوَالِ الغَوَاشِمِ

فعلا وَأبِيكَ الكَلْبِ ما مِنْ مَخافَةٍ … إلى الشّأمِ أدّوْا خالِداً لمْ يُسالِمِ

وَلكِنْ ثَوَى فيهِمْ عَزِيزاً مكَانُهُ … على أنْفِ رَاضٍ من مَعَدٍّ ورَاغِمِ

وَما سَيّرَتْ جاراً لهَا من مَخافَةٍ، … إذا حَلّ من بَكْرٍ رُؤوسَ الغَلاصِمِ

بِأيّ رِشَاءٍ، يا جَرِيرُ، وَمَاتِحٍ … تَدَلّيْتَ في حَوْماتِ تِلْكَ القَماقِمِ

وَما لكَ بَيْتُ الزَّبَرْقَانِ وَظِلّهُ؛ … وَما لكَ بَيْتٌ عِندَ قَيسِ بنِ عاصِمِ

وَلكِنْ بَدا للذّلِّ رَأسُكَ قاعِداً، … بِقَرْقَرَةٍ بَينَ الجِداءِ التّوَائِمِ

تَلُوذُ بأحقَيْ نَهشَلٍ من مُجاشِعٍ … عِيَاذَ ذَليلٍ عارِفٍ للمَظالِمِ

وَلا نَقتُلُ الأسرَى وَلكنْ نَفُكُّهمْ … إذا أثْقَلَ الأعناقَ حَمْلُ المَغارِمِ

فَهَلْ ضَرْبَةُ الرّوميّ جاعِلَةٌ لكمْ … أبا عَنْ كُلَيْبٍ أوْ أباً مِثلَ دارِمِ

فَإنّكَ كَلْبٌ مِنْ كُلَيْبٍ لكَلْبَةٍ … غَذَتْكَ كُلَيبٌ في خَبيثِ المَطاعِمِ