وافى إليك بكأس الراح يرتاح – ابن معصوم المدني
وافى إليك بكأس الراح يرتاح … كأنه في ظلام الليل مصباح
ساقٍ لعشاقه من جنح طرته … وضوءِ غرَّتِه ليلٌ وإصباحُ
لم تدر حين يدير الراح مبتسماً … من ثغره العذب أم من كأسه الراح
أمْسى النَّدامى نَشاوَى من لَواحِظه … كأن أحداقه للخمر أقداح
إن راح يرتاح من ماء الشباب فلي … قلبٌ عليه بنارِ الوجدِ يَلتاحُ
أما ترى عاشِقيهِ من هُيامِهمُ … غدوا عليه بوجدٍ مثل ما راحوا
طَووا على سِرِّ شكواهُ ضمائرَهم … ولو أباحَ لهم شكواهُ ما باحُوا
أما الصَّبوحُ فقد لاحت لوائحُهُ … رق الظلام وجيب الأفق منصاح
وفاح عرف الصبا عند الصباح شذاً … كأنه بأريج المسك نضاح
وصاحَ بالقوم شادٍ هاجَه طرَبٌ … وبلبلٌ في فروع الدوح صياح
فامسَحْ من النَّوم جَفناً زانَه كحَلٌ … وحمَّل الكفَّ كأساً زانَه راحُ
وأحي بالراح أشباحاً معطلة ً … فإنَّما هي للأشباح أرواحُ
أما ترى العُودَ قد رنَّت مثالِثُه … له بألسِنة الأوتار إفصاحُ
تشدو به قينة ٌ غراء آنسة ٌ … كأنَّ مِضْرَبَهَا للأُنس مفتاحُ
يرتاحُ في حِجرها من صَوتها طرَباً … كأنه غصنٌ في الروض مرتاح
والصبح قد لاحَ تجلو الليلَ طلعتُه … كأنما الليل وعدٌ وهو إنجاح
وساحَ يَملأُ آفاقَ السَّماء سَنى ً … وغص للأرض من أضوائه ساح
والروض قد نفحت ريا نوافحه … وهبَّ منها على الأرواح أرْواح
قم فاسقنيها على ورد الخدود فقد … زها وفاح بها وردٌ وتفاح
لا يلهينك حزنٌ بان عن فرحٍ … فإنَّما الدهرُ أفراح وأتراحُ
سَقياً لعصرٍ مضى بالسَّفح من إضم … إذ الزمان بما أهواه سماح
وإذْ دواعي الهوى للَّهوِ داعية ٌ … والقلبُ في راحة ٍ والعيشُ رَحْراحُ
والنفس من غير شغل الحب فارغة ٌ … والأنسُ تُملأ من راحاتِه الراحُ
أيام لا مشربي مرٌ مذاقته … كلا ولا ورده المعسول ضحضاح
لا تعجبنَّ لجَفْني إذ بُكاهُ دماً … فإنَّه من قَليب القلبِ يَمتاحُ