هريقاً دماً إنْ أنفذتْ عبرة تجري – عبدالصمد بن المعذل
هريقاً دماً إنْ أنفذتْ عبرة تجري … أبى الصبر إنّ الرزء حل عن الصبرِ
ولا تجمدا عينيّ قد حسن البكا … وفرط الأسى فقدُ المغيب في القمرِ
لغيركما بالبث أن لست واقفا … من الصبرِ يوماً بعد عمرو على عذرِ
سلام وسقيا من يد الله ثرة ٌ … على جسدِ بالٍ بلماعة قفرِ
جرتْ فوقهُ الأرواحُ أمناً لجريهِ … وقد كُنَّ حَسْرَى حينَ يَجْري كمَا تَجْري
تولى الندى والباسُ والحلمُ والتقى … فلم يبقَ منها بعدَ عمرو سوى الذكرِ
فإنْ تطوهِ الأيامُ لا تطو بعدهُ … صنائعَ مِنْهُ لا تبيدُ على النّشرِ
متى تلقهُ لا تلقَ إلا ممنعاً … حماهُ، مصونَ العرضِ مبتذلَ الوفرِ
وأيُّ محلٍّ لا لكفيهِ نعمة ٌ … على أهلِهِ من أرضِ بَرٍّ ولا بَحْرِ
وما اختلفتْ حالانِ إلا رأيتهُ … ركوبَ التي تسبي هيوبَ التي تزري
ومن تكنِ الأوراقُ والتبرُ ذُخْرَهُ … فما كان غيرَ الحمدِ يرغبُ في ذخرِ
كلا حالتيهِ الجودُ أنى تصرفتْ … به دُوَلُ الأيامِ في العُسْرِ واليُسْرِ
وما عُدِمَتْ يوماً لكفّيهِ أَنْعُمٌ … تُضافُ له منها عَوانُ إلى بكرِ
وما انتسبتْ إلا إليهِ صنيعة ٌ … وما نطقتْ إلا به ألسنُ الفخرِ
يرى غبناً يوماً يمرُّ وليلة ً … عليه ولم يكسبْ طريقاً من الشكرِ
تغضّ له الأبصار عند اجتلائه … وليس به إلا الجلالة ُ من كبرِ
تَرَى جَهْرَهُ جَهْرَ التقيّ وسِرُّهُ … إذا ما اختبرتَ السِّرَّ أتقى منَ الجهْرِ
ولم يصحُ من يومٍ ولم يمسِ ليلة ً … بغير ِاكتسابِ الحمدِ مشتغلَ الفكرِ
وكانتْ تعُمُّ الناسَ نَعماءُ كفّهِ … فعَمّوا عليهِ بالمُصيبة ِ والأجرِ
تناعاهُ أقطارُ البلادِ تفجعاً … لِمصْرَعِهِ تَبْكيهِ قُطْراً إلى قُطْرِ
تباشرَ بطنُ الأرضِ أنساً بقربهِ … وأضحتْ عليه وهي خاشعة ُ الظهرِ
ولم تَكُ تُسْقى الأرضُ إلاّ بسَيْبهِ … إذا ما جفا أقطارها سبلُ القطرِ
إذا نَشَأتْ يوماً لكفّيهِ مُزْنَة ٌ … أديلَ الغنى في كل فجّ من القفرِ
هوى جبلُ اللهِ الذي كانَ معقلاً … وعزّاً لدينِ اللّهِ ذُلاًّ على الكُفْرِ
عجبتُ لأيدي الحتف كيفَ تغلغلتْ … إليكَ وبينَ النّسْرِ بَيْتُكَ والنّسْرِ
وماكُنْتَ بالمُغْضِي لدهرٍ على القذى … ولا لَيّنٍ للحادثاتِ على القَسْرِ
ولو دَفَعَ العِزُّ الحِمامَ عن امرىء ٍ … لما نال عمراً للحمامِ شبا ظفرِ
ألم تَكُ أسبابُ الرَّدَى طَوعَ كفّهِ … تبينُ لصرفي ما يريشُ وما يبري
إذا صاح داعي الرَّوْعِ سارَ أمامَهُ … لواءانِ مَعْقودانِ بالفَتْحِ والنّصرِ
يُقَاسمُ آجالَ العِدَى عزمُ بأسِهِ … بهندية ٍ بيضٍ وخطية ٍ سمرِ
وماذبّ إلاّ عن حمى الدين سيفُهُ … ولا قاد خيلَ اللّه إلاّ إلى ثغرِ
وقد كان يقري الحتفَ أعداءَ سلمهِ … فأضحى قرى ما كان أعداءَهُ يقري
تولى أبو عمرو فقلنا لنا عمرو … كَفَانا طُلوعُ البدرِ غَيْبوبَة َ البدرِ
وكان أبو عمرو معاراً حياتهُ … بعمرو فلما ماتَ ماتَ أبو عمرو
وكنا عليه نحذرُ الدهرَ وحدهُ … فلم يبقَ ما يخشى عليه من الدهرِ
وهَوّنَ وَجْدِي أنّ من عاشَ بَعدَهُ … يلاقي الذي لاقى وإن مدَّ في العمرِ
وهوّنَ وَجْدِي أنّنِي لا أَرَى امرءاً … من الناس إلا هو مغضٍ على وترِ
رَمَتْنَا الليالي فيكَ ياعمرو بَعْدَمَا … حَمِدْنَا بكَ الدّنيا بقاصمة ِ الظهرِ
سأجْزِيك شكري ماحَييت فإن أمتْ … أُبقِّ ثناءً فيكَ يَبْقى إلى الحَشرِ
وأُوثِرُ حُزني فيكَ دُونَ تجلّدِي … وإسبالَ دمعٍ لا بكيءٍ ولا نزرِ