نُراوَحُ بالحوادثِ، أَو نُغادَى – أحمد شوقي

نُراوَحُ بالحوادثِ، أَو نُغادَى … ونُنكرُها، ونُعطيها القِيادا

ونحمَدُها وما رعتِ الضَّحايا … ولا جزتِ المواقفَ والجهادا

لحاها اللهُ، باعتنا خيالاً … من الأَحلامِ، واشترتِ اتّحادا

مشيْنا أَمسِ نلقاها جميعاً … ونحنُ اليومَ نلقاها فرادى

أضلتنا عن الإصلاح، حتى … عَجَزْنا أَن نُناقشَها الفسادا

تُلاقِينا، فلا نَجِدُ الصَّياصِي … ونَلقاها، فلا نجدُ العَتادا

ومَنْ لَقِيَ السِّباعَ بغيرِ ظفرٍ … ولا نابٍ تمزَّقَ أَو تفادَى

خَفضنا من عُلُوِّ الحقِّ حتى … تَوهَّمنا السيادة َ أَن نُسادا

ولمَّا لم نَنلْ للسيفِ ردّاً … تنازعْنا الحمائلَ والنِّجادا

وأقبلنا على أقوالِ زورٍ … تجيءُ الغيَّ تقلبه رشادا

ولو عُدنا إليها بعدَ قرْنٍ … رحمنا الطرسَ منها والمدادا

وكم سحرٍ سمعنا منذُ حينٍ … تضاءَلَ بين أَعيُننا ونادى

هنيئاً للعدوِّ بكلِّ أرضٍ … إذا هو حلَّ في بلدٍ تعادى

وبُعداً للسيادة ِ والمعالي … إذا قطعَ القرابة َ والودادا

وربَّ حقيقة ٍ لا بدَّ منها … خدعْنا النَّشْءَ عنها والسَّوادا

تعدُّ لحادثِ الأيام صبراً … وآونة ً تعدُّ له عنادا

وتخلف بالنهى البيضَ المواضي … وبالخُلق المثقَّفة الصِّعادا

لمحنا الحَظَّ ناحية ً، فلما … بلغناها أحسَّ بنا، فحادا

وليس الحظُّ إلا عبقريَّا … يحبُّ الأريحية َ، والسدادا

ونحن بنو زمانٍ حواليٍّ … تنقلَ تاجراً، ومشى ، ورادا

إذا قعد العبادُ له بسوقٍ … شرى في السوق، أَو باع العِبادا

وتعجبه العواطفُ في كتابٍ … وفي دمع المُشَخِّصِ ما أَجادا

يُؤمِّننا على الدستورِ أَنَّا … نرى من خلفِ حوزته فؤادا

أبو الفاروق نرجوه لفضلٍ … ولا نخشى لِما وَهبَ ارتدادا

ملأنا باسمه الأفواهَ فخراً … ولقبناه بالأمسِ المكاد

نُناجيه، فنسترعِي حكيماً … ونسأَله فنستجدي جَوَادا

ولم يزلِ المحبَّبَ، والمفدَّى … ومرهمَ كلِّ جرحٍ، والضِّمادا

تَدفَّق مَصْرفُ الوادي، فرَوَّى … وصابَ غمامُهُ، فسقى ، وجادا

دعا فتنافستْ فيه نفوسٌ … بمصرَ لكلِّ صالحة ٍ تنادى

تقدمُ عونها ثقة ً ومالاً … وأحياناً تقدمهُ اجتهادا

وأقبلَ من شبابِ القومِ جمعٌ … كما بنتِ الكهولُ بنى ، وشادا

كأن جوانبَ الدارِ الخلايا … وهم كالنحل في الدار احتشادا

فيا داراً من الهممِ العوالي … سُقيتِ التِّبرَ، لا أَرْضَى العِهادا

تأَنَّى حينَ أَسَّسَكِ ابنُ حربٍ … وحينَ بنى دعائمكِ الشدادا

ولا ترجى المتانة ُ في بناءٍ … إذا البنَّاءُ لم يُعْطَ اتِّئادا

بنى الدارَ التي كنّا نراها … أمانيَّ المخيَّل، أو رقادا

ولم يَبْعُدْ على نفسٍ مَرَامٌ … إذا ركبتْ له الهممَ البعادا

ولم أَرَ بعدَ قدرتِه تعالى … كمَقدِرَة ِ ابنِ آدمَ إن أَرادا

جرى والناسَ في ريب وشكٍّ … يَرومُ السَّبْقَ، فاخترقَ الجيادا

وعوديَ ودونها حتى بناها … ومن شأْنِ المجدِّدِ أَن يُعادى

يَهونُ الكيدُ مِنْ أَعدَى عدُوٍّ … عليكَ إذا الوليُّ سعَى وكادا

فجاءت كالنهارِ إذا تجلَّى … عُلُوّاً في المشارقِ وانطيادا

نصونُ كزائمَ الأموالِ فيها … وننزلها الخزائنَ والنضادا

ونُخرجُها، فتكسِبُ، ثُمَّ تأْوِي … رجوعَ النحل قد حملنَ زادا

ولم أرَ مثلها أرضاً أغلَّتْ … وما سقيتْ، ولا طعمتْ سمادا

ولا مُستوْدعاً مالاً لقومٍ … إذا رجعوا له أَدَّى وزادا

ومن عجبٍ نُثبِّتُها أُصولاً … وتِلك فروعُها تَغشَى البلادا

كأنّ القطرَ من شوقٍ إليها … سَما قبلَ الأَساسِ بها عِمادا

ولو ملكتْ كنوزَ الأرضِ كفِّي … جعلتُ أساسها ماساً ورادا

ولو أن النجومَ عنتْ لحكمي … فرشتُ النيِّراتِ لها مِهادا