نَبَا بِكَ دَهْرٌ بِالأَفَاضِلِ نَابِي – خليل مطران

نَبَا بِكَ دَهْرٌ بِالأَفَاضِلِ نَابِي … وَبُدِّلْتَ قَفْراً مِنْ خَصِيبِ جَنَابِ

بِرَغْمِ العُلَى أَنْ يُمْسِيَ الصَّفْوَةُ الأُلَى … بَنَوْا شُرُفَاتِ العِزِّ رَهْنَ يَبَابِ

تَوَلَّوْا فَأَقْوَتْ مِنْ أَنِيسٍ قُصُورُهُمُ … وَبَاتُوا سَرَاةَ الدَّهْرِ رَغْمَ تُرَابِ

أَتَمْضِي أَبَا شَادٍ وَفِي ظَنِّ مَنْ يَرَى … زُهُورَكَ أَنَّ النَّجْمَ قَبْلَكَ خَالِي

عَزِيزٌ عَلَى القَوْمِ للَّذِينَ وَدِدْتَهُمْ … وَوَدُّوكَ أَنْ تَنْأَى لِغَيْرِ مَآبِ

وَأَنْ يُبْكِمَ المَوْتُ الأَصَمُّ أَشدَّهُمْ … عَلَى مَنْ عَتَا فِي الأَرْضِ فَصْلَ خِطَابِ

فَتىً جَامِعُ الأَضْدَادِ شَتَّى صِفَاتُهُ … وَأَغْلَبُها الحُسْنى بِغَيْرِ غِلاَبِ

مُحَامٍ بِسِحْرِ القَوْلِ يُصْبِي قُضَاتَهُ … فَمَا فِعْلُهُ فِي سَامِعِينَ طِرَابِ

فَبَيْنَاهُ غِرِّيدٌ إذَا هُوَ ضَيْغَمٌ … زَمَاجِرُهُ لِلحَقِّ جِدُّ غِضَابِ

وَكَمْ خَلَبَ الأَلْبَابَ مِنْهُ بِمَوقِفٍ … بَلِيغُ حِوَارٍ أَوْ سَدِيدُ جَوَابِ

رَقيقُ حَديثٍ إِنْ يُشَبَّهْ حَدِيْثُهُ … فَمَا الخَمْرُ زَانَتْهَا عُقُودُ حَبَابِ

يَسِيلُ فَيُرْوِي النَّفْسَ مِنْ غَيْرِ نَشْوَةٍ … مَسِيلَ نطَافٍ في الغَدَاةِ عِذَابِ

بمَا يُخْصِبُ الأَذهَانَ مُخْضَلُّ دَرِّهِ … كَمَا يُخْصِبُ القِيعَانَ دَرُّ سَحَابِ

أَدِيبٌ إذَا مَا درَّ دَرُّ يَرَاعِهِ … تَبَيَّنْتَ أنَّ الفَيْضَ فَيْضُ عُبَابِ

فَفِي الذِّهْنِ تهْدَارُ الأَتِيِّ وَقَدْ جَرَى … عَلَى أنَّ مَا فِي العَيْنِ صُحْفُ كِتَابِ

وَفِي الشِّعْرِ كَمْ قَوْلٍ لَهُ رَاقَ سَبْكُهُ … أَتَى الوَحْيُ فِي تَنْزِيلِهِ بِعُجَابِ

بِهِ نَصَرَ الوَهْمُ الحَقِيقَةَ نُصْرَةً … تُضِيءٌ نُجُوماً مِنْ فُضُولِ ثِقَابِ

فَأَمَّا المَسَاعِي وَالمُرُوءَاتُ وَالنَّدَى … فَلَمْ يَدْعُهُ مِنْهُنَّ غَيْرُ مُجَابِ

كَأَنَّ جَنَى كَفَّيْهِ وَقْفٌ مُقَسَّمٌ … فَكُلُّ مُرَجٍ عَائِدٌ بِنِصَابِ

وَمَا صُدَّ عَنْ إسْعَادِهِ بَاسِطٌ يَداً … وَلاَ رُدَّ عَنْ جَدْوَاهُ طَارِقُ بَاب

وَلَمْ يَكُ أَوْفَى مِنْهُ فِي كُلِّ حَالَةٍ … لِمَنْ يَصْطَفِي فِي مَحْضَرٍ وَغِيَابِ

إذَا هَوَ وَالَى فَهْوَ أَوَّلُ مَنْ يُرَى … مُعِيناً أَخَاهُ حِينَ دَْعِ مُصَابِ

وَمَا كُلُّ مَنْ صَادَقْتَهُمْ بِأَصَادِقٍِ … وَمَا كُلُّ مَنْ صَاحَبْتَهُمْ بِصِحَابِ

يَعِفُّ فَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ مُؤَمِّلاً … لَهُ الْعَفْوُ مِنْ رَبٍ قَرِيب مَتَابٍ

وَمَا عَهْدُهُ إِنْ مَحَّصَتْهُ حَقِيقَةٌ … بِزَيْفٍ وَمَا مِيْثَاقُهُ بِكِذَابِ

وَفِي النَّاسِ مَنْ يُحْلِي لَكَ المُرَّ خِدْعَةً … وَتَرْجِعُ مِنْ جَنَّاتِهِ بِعَذَابِ

تَذَكَّرْتُ عَهْداً خَالِياً فَبَكَيْتُهُ … وَهَيْهَاتَ طِيبُ العَيشِ بَعْدَ شَبَابِ

كَأَنِّيَ بِاسْتِحْضَارِهِ نَاظِرٌ إلى … حُلاَهُ وَمُسْتَافٌ زَكِيَّ مَلاَبِ

بِرُوْحِيَ ذَاكَ الْعَهْدُ كَمْ خَطَرٍ بِهِ … رَكِبْنَا وَكَانَ الجِدُّ مَزْجَ لِعَابِ

وَهَلْ مَنْ أُمُورٍ فِي الحَيَاةِ عَظِيمَةٍ … بَغَيْرِ صِبا تَمَّتْ وغَيْرِ تَصَابِي

زَمَانٌ قَضَيْنَا المَجْدَ فِيهِ حُقُوقَهُ … وَلَمْ نَلْهُ عَنْ لَهْوٍ وَرَشْفِ رَُضَابِ

مَحَضْنَا بِهِ مِصْرَ الهَوَى لاَ تَشُوبُهُ … شَوَائِبُ مِنْ سُؤْلٍ لنا وطِلاَبِ

وَمَا مِصْرَ إلا جَنَّةُ الأَرْضِ سُيِّجَتْ … بِكُلِّ بَعِيدِ الهَمِّ غَضِّ إِهَابِ

فَدَاهَا وَلَمْ يَكْرُثْهُ أْن جَارَ حُكْمُهَا … فَذًَلَّ مُحَامِيهَا وَعَزَّ مُحَابي

فَكَمْ وَقْفَةٍ إذْ ذَاكَ وَ المَوْتُ دُونَهَا … وَقَفْنَا وَمَا نَلْوِي اتِّقَاءَ عِقَابِ

وَكَمْ كَرَّةٍ فِي الصُّحْفِ وَالسَّوْطُ مُرْهِقٌ … كَرَرْنَا وَمَا نَرْتَاضُ غَيْرَ صِعَابِ

وَكَمْ مَجْلِسٍ مَمَّ تَوَخَّتْ لَنا المُنَى … غَنِمْنَا بِهِ اللَّذَاتِ غُنْمَ نِهَابِ

لَنَا مَذْهَبٌ فِي العَيْشِ وَالمَوْتِ تَارِكٌ … قُشُورَ القَضَايَا آخِذٌ بِلُبَابِ

يَرَى فَوْقَ حُسْنِ النَّجْمِ وَهْوَ مُحَيِّرٌ … سَنَى الرَّجْمِ يَنْقَضُّ انْقِضَاضَ شِهَابِ

وَمَا هُلْكُ أَفْرَادٍ وَمِصرُ عَزِيزَةٌ … أَمَا أَجَُ الإِنْسَانِ مِنْهُ بِقَابِ

كَذا كَانَ إِلْفِي لِلفَقِيدِ وَلَم يَكُنْ … لِيَضْرِبَ خِلْفٌ بَيْنَنَا بِحِجَابِ

حَفِظْتُ لهُ عَهْدِي وَلَوْ بَانَ مَقْتَلِي … لِدَهْرٍ بِهِ جَدُّ المُرُوءَةِ كَابِي

وَمَا خِفْتُ فِي أنْ أُلْفى كَغَيْرِيَ مُولَعاً … بِخَلْعِ أَحِبَّائي كَخَلْعِ ثِيَابِي

فَمَا أَنَا مَنْ فِي كُلِّ يَوْمٍ لَهُ هَوىً … وَلاَ كُلَّ يَوْمٍ لِي جَدِيدُ صَوَابِ

يَرَانِي صَدِيقِي مِنْهُ حِينَ إيَابِهِ … بِحَيْثُ رَآنِي مِنْهُ حِينَ ذَهَابِ

وَمَا ضَاقَ صَدْرِي بِالذِينَ وَدِدْتُهُمْ … وَلاَ حَرِجَتْ بِالنَّازِلينَ رِحَابِي

وَآنَفُ سَعْياً فِي رِكَابٍ فَكَيْفَ بِي … وَِلي كُلَّ حَوْلٍ آَخْذَةٌ بِرِكَابِ

حَرَامٌ عَلَيْنَا الْفَخْرُ بالشِّعْرِ إنْ تَقَعْ … نُسُورُ مَعَالِيهِ وُقُوعَ ذُبَابِ

وَمَا كِبْرِيَاءُ القَوْلِ حِينَ نُفُوسُنَا … تَجَاوِيفُ أَرْضٍ فِي انْتِفَاخِ رَوَابي

وَمَا زَعْمُنَا رَعْيَ الذِّمَامِ وَشَدُّنَا … بِظُفْرٍ عَلَى مَنْ فِي الأَمَامِ وَنَابِ

زَكِيٍّ لَكَ الإِرْثُ العَظِيمُ مِن العُلَى … وَمَا ثَرْوَةٌ فِي جَنْبِهِ بِحِسَابِ

فَكُنْ لأَبِيكَ الْبَاذِخِ القَدْرِ مُخْلَفاً … بِأَكْرَمِ ذِكْرَى عَنْ مَظِنَّةِ عَابِ

وَعِشْ نَابِهاً بِالْعِلْمِ وَالْفَنِّ نَابِغاً … فَخَرُكَ مَوْفُورٌ وَفَضْلُكَ رَابِي

أَلاَ إِنَّنِي أَبْكي بُكَاءَكَ فَقْدَهُ … وَمَا بِكَ مِنْ حُزْنٍ عَلَيْهِ كَمَا بِي

قَضَى لِي بِهَذَا الْخَطْبِ فِيمَنْ أُحِبُّهُ … إلهٌ إلَيْهِ فِي الخُطُوبِ مَنَابِي

فَفِي رَحْمَةِ المَوْلَى أَبُوكَ أَبُو النَّدَى … وَفِي عَفْوِهِ أَحْرَى امْرئٍ بِثَوَابِ