نَبذَ الهوى ، وصَحَا من الأَحلامِ – أحمد شوقي

نَبذَ الهوى ، وصَحَا من الأَحلامِ … شرقٌ تنبهَ بعدَ طولِ منام

ثابتْ سلامته، وأقبل صحوهُ … إلا بقايا فترة ٍ وسقام

صاحتْ به الآجامُ: هنتَ فلم ينمْ، … أَعَلى الهوانِ يُنامُ في الآجامِ؟

أُمَمٌ وراءَ الكهفِ جُهْدُ حَياتِهم … حركاتُ عيشٍ في سُكونِ حِمام

نفضوا العيونَ من الكرَى ، واستأنفوا … سفرَ الحياة ، ورحلة َ الأيام

مَنْ ليس في رَكْبِ الزمانِ مُغَبِّراً … فکعْدُدْهُ بين غوابرِ الأَقوام

في كلِّ حاضرة ٍ وكلِّ قبيلة ٍ … هممٌ ذهبنَ يرمن كلَّ مرام

من كلِّ ممتنعٍ على أرسانهِ … أو جامحٍ يعدو بنصفِ لجام

يا مصرُ، أنتِ كنانة ُ اللهِ التي … لا تُستباحُ، وللكِنانة ِ حامِ

استقبلي الآمالَ في غاياتها … وتأمَّلي الدنيا بطرفٍ سام

وخُذِي طَريفَ المجدِ بعدَ تَليدِه … من راحَتيْ مَلِكٍ أَغرَّ هُمام

يُعْنَى بِسُؤدد قومِه، وحُقوقِهم … ويذودُ دونَ حياضهم، ويحامي

ما تاجِ العالي، ولا نوَّابه … بالحانِثين إليكِ في الإقسام

جَرَّبْتِ نُعْمَى الحادثاتِ وبُؤسَها … أَعَلِمْتِ حالاً آذَنَتْ بدوامِ؟

عبستْ إلينا الحادثاتُ، وطالما … نَزَلَتْ فلم نُغْلَبْ على الأَحلام

من أَين جئتَ له بدارِ مُقام؟ … ويُرَقِّدون نَوازِيَ الآلام

الحقُّ كلُّ سلاحهم وكفاحهم … والحقُّ نِعْمَ مُثَبِّتُ الأَقدام

يَبنون حائطَ مُلْكِهم في هُدنَة ٍ … وعلى عواقبِ شحنة ٍ وخصام

قلْ للحوادث: أقدِمي، أَو أَحجمي … إنَّا بنو الإقدامِ والإحجام

نحن النيامُ إذا الليالي سالمتْ … فإذا وَثَبْنَ فنحنُ غيرُ نيام

فينا من الصبرِ الجميلِ بقية ٌ … لحوادثٍ خَلْفَ العُيوبِ جِسام

أين الوفودُ الملتقونَ على القرى … المُنزَلون مَنازلَ الإكرامِ

الوارثون القُدْسَ عن أَحبارِه … والخالِفونَ أُميَّة ً في الشَّام؟

الحاملو الفصحى ونورِ بيانها … يَبنون فيه حضارة َ الإسلام؟

ويؤلِّفون الشرقَ في برهانها … لمَّ الضياءِ حَواشِيَ الإظلام؟

تاقوا إلى أَوطانِهم، فتحَمَّلوا … وهَوَى الديارِ وراءَ كلِّ غرام

ما ضرَّ لو حبسوا الركائبَ ساعة ً … وثنَوْا إلى الفُسطاطِ فضلَ زِمام؟

ليُضيف شاهدُهمْ إلى أَيامِه … يوماً أغرَّ ملمَّحَ الأعلام

ويرى ويسمع كيف عادَ حقيقة ً … ما كان ممتنعاً على الأوهام

مِنْ هِمّة ِ المحكومِ وهو مُكبَّلٌ … بالقيد، لا من همَّة ِ الحكامِ

مِصرُ التقتْ في مِهرجانِ مُحمدٍ … وتجمعتْ لتحية ٍ وسلامِ

هَزَّتْ مَناكبَها له، فكأَنه … ظِلٌّ، وسُنْبُلة ٌ، وقَطرُ غَمام

أَسِمُ العصورَ بحسنِهِ، وأنا الذي … يروي، فينتظمُ العصورَ كلامي

شرفاً محمدُ، هكذا تبنى العلا: … بالصبرِ آوِنة ً وبالإقدام

هممُ الرجالِ إذا مضتْ لم يثنها … خدعُ الثناءِ ولا عوادي الذَّام

وتمامُ فضلكَ أن يعيبكَ حسدٌ … يجدون نقصاً عندَ كلِّ تمَام

فرفعتَ إيواناً كرُكنِ النَّجمِ، لم … يُضرَبْ على كِسرى ، ولا بَهرام

صَيَّرْتَ طينتَه الخلودَ، وجئتَ مِنْ … وادي الملوكِ بجَنْدَلٍ ورَغام

هذا البناءُ العبقريُّ أَتى به … بيتٌ له فضل وحقُّ ذمام

كانت به الأرقام تدركُ حسبة ً … واليومَ جاوز حسبة َ الأرقام

يا طالما شغف الظنونَ، وطالما … كثر الرجاءُ عليه في الإلمام

ما زلتَ أَنتَ وصاحباك بِركنه … حتى استقام على أغرِّ دعام

أَسَّسْتُم بالحاسدين جِدارَه … وبينتمو بمعاول الهدَّام

شركاتك الدنيا العريضة ُ لم تنل … إلا بطول رعاية ٍ وقيام

الله سخَّر للكنانة ِ خازناً … أَخذ الأَمانَ لها من الأَعوام

وكأَن مالَ المودِعين وزرعَهم … في راحتيْك ودائعُ الأَيتام

ما زلتَ تَبني رُكنَ كلِّ عظيمة ٍ … حتى أتيتَ برابع الأهرام