نجَّاكَ يا ابن الحاجِبِ الحاجبُ – ابن الرومي

نجَّاكَ يا ابن الحاجِبِ الحاجبُ … وأين ينجو منّيَ الهاربُ؟

أبعدَ إحرازِك أيمانَنَا … هاربتنا واعتذر الحاجب؟

يا عجباً إذ ذاك من حالة ٍ … دافِعُنا فيها هو الجاذب

حقّاً لقد أولَيتَنَا جَفوة ً … يُمحل منها البلد العاشب

انظر بعين العدل تبصر بها … أنك عن منهاجِه ناكبُ

لَهْفي وقد جاءَتْكَ جفَّالة ٌ … كُلٌّ مغذٌّ ساغبٌ لاغب

فكّاه كالعصريْن من دهره … هذا على أنك ذو شيمة ٍ

ذي مِعْدة ٍ ثعلُبها لاحِس … وتارة ً أرنبها ضاغب

تعلوه حمّى شرهٍ نافضٍ … لكن حمّى هضمه صالب

كأنما الفرُّوج في كفَّهِ … فريسة ٌ ضرغامُها دارب

وإن غدا الشَّبّوط قرناً لهم … هِيبَتْ لقومٍ شرَّة ٌ فاحْتبُوا

أقسمتُ لو أنك لاقيتهم … نابك من أضراسهم نائب

فالشعر حُرٌّ ـ إن نَجَوْا ـ سائبُ … بالثار في أمثالها طالب

لا تحسَبنِّي عنك في غَفْلة ٍ … إلا وفيه راتعٌ جادبُ

سيصنعُ اللَّهُ لنا في غدٍ … إن كان اكدى يومُنا الخائب

كُرّوا على الشيخ بتطفيلة ٍ … عن عزمة ٍ كوكبُها ثاقب

وإن زواه منكم جانبٌ … فلا يَفُتْكُمُ ذلك الجانبُ

جُوسُوا عليه الأرضَ واستَخْبروا … حتى يروح الخبرُ العازب

كأنَّ من عُولجَ من سِحرها … لا وهب المَنْجَى لها الواهب

لا تُفْلِتَنْ منكمُ شَبَابيطُهُ … لا أفلت الطافى ولا الراسب

جدّوا فقد جدّ بكم لاعباً … وقد يجدّ الرجل اللاعب

وليكن الكرُّ على غرّة ٍ … والصيد في مأمنه سارب

يا واقباً بالأمس في بيتهِ … أفْلَحَ هذا الغائب الآئبُ

فاعتزم القومُ على غارة ٍ … ساند فيها الراجلَ الراكب

يهدى أبو عثمان كردوسها … هَداك ذاك الطاعنُ الضاربُ

يُرْقِلُ والرَّايَة ُ في كفِّه … جاوَبها خِشْفٌ لها نازبُ

والقومُ لاقَوْكَ فاعدِدْ لهم … ما يرتضي الآكلُ والشارب

يسِّرْ فراريجَك مقرونة ً … بها شَبابيطُكَ ياكاتبُ

يا حبذا المُنهزمُ التائبُ … تلك التي منظرُها شاحبُ

واذكر بقلبٍ غير مستوهلٍ … يعروه من ذكرى القِرَى ناخب

أنَّك من جيران قُطْربُّلٍ … وعندك اللّقْحَة والحالب

أحضِرْهُمُ البكْرَ التي ما اصطلت … ناراً فكلٌّ خاطب راغب

إلا التي الشمسُ لها ناسِبُ … في الكأس إلا الذهبُ الذائبُ

أو أمُّها الكبرى التى لم يَزلْ … لليل من طلعتها جانب

حقَقها بالشمس أن ربيت … في حِجْرها والشبُه الغالب

أعجب بتلك البكر محجوبة ً … مكروبة ً يُجلَى بها الكارب

مغلوبة ً في الدنّ مسلوبة ً … يُنْصَرْ عليه إلبُكَ الآلب

بينا تُرًى في الزقّ مسحوبة ً … إذ حَكَمَتْ أن يُسْحَب الساحب

تَقتصُّ من واترها صرْعة ً … ليس لها باكٍ ولا نادبُ

إلاَّ حَمَامُ الأيَك في أيكِهِ … أو عازفٌ للشَّرب أو قاصبُ

ذات نسيم مسكهُ فائح … وذات لونٍ ورسُه خاضب

هاتيك هاتيك على مثلها … حامَ ولابَ الحائمُ اللائبُ

ما غرَّهم منا ونحن الأُولى … فلا يَعِبْ فقدَهما عائب

ولا تنمْ عن نرجس مؤنس … يضحكُ عنه الزَّمَنُ القاطبُ

ريحانُ روحٍ مُنْهِبٌ عطرَه … والروحُ إذ ذاك هو الناهب

لم يلفح الصيفُ له صفحة ً … ولا سقاه عوده الشاسب

وزَخْرِفِ البيتَ كما زُخرفتْ … روضة ُ حَزْنٍ جادها هاضبُ

ليس له من غيره شائبُ … لكلِّ ما سرَهُمُ جالبُ

مُحسنة ً ليست بخطَّاءة … طائرُها الهادل لا الناعب

بيضاءَ خَوْداً رِدْفُها ناهدٌ … غيداءَ رُوداً ثديُها كاعبُ

مملوكة ً بالسيف مغصوبة ً … لها دلالٌ مالِكٌ غاصبُ

تَستوهِبُ الجيد إذا أَتلعتْ … من ظبية ٍ أَفْزَعها طالبُ

كأنها والبيت مستضحكٌ … والعودٌ في قبضتها صاخب

أدْمانة ٌ تَنْزِبُ في روضة ٍ … خشفٌ لها نازب

يُحْمَى بهنَّ الموعدُ الكاذبُ … ما نقل الملاّحُ والقاربُ

وتبْ من الذنب الذي جئته … فقد يُقالُ المذنبُ التائبُ

كيما يقولوا حين ترضيهُم: … يا حبذا المنهزم الثائب

أعتِبْ بيومٍ صالحٍ فيهم … ليس على أمثاله عاتبُ

ولا يكن يوماً إذا ما انقضى … صِيحَ به: لا رَجَعَ الذاهبُ

عجلْ لهم ذاك ولا تهْجَهم … ولا يثب منك بهم واثب

فليس من يأدِبُ إخوانَهُ … مؤَدِّباً للقومِ بل آدبُ

ولا يكنْ فيما يُعانَى لهم … فلا تُصِبْنا ريحُك الحاصب

حاشاك أن يلقاك مستمطرٌ … منصورة ٍ ليس لها قالبُ