مَجْدٌ تَسَلْسَل كَابِراً عَنْ كَابِرٍ – خليل مطران

مَجْدٌ تَسَلْسَل كَابِراً عَنْ كَابِرٍ … يَعتَزْ غَابِرُ شَأْنهِ بِالحَاضِرِ

وَعَشِيرَةٌ لوْ أُحْصِيَتْ بِكِرَامِهَا … كَانَتْ وَلا غَلْوَاءَ جَمْعَ عشَائِرِ

كَم أَنْجَبَتْ لِلْمَحْمَدَاتِ وَلِلنُّهَى … مِنْ شُمِّ أَعْلامٍ وَغرِّ مَنَائِرِ

مَرَّتْ بِهَا الأَحْقَابُ وَالأَسْبَابُ لمْ … تَنْبَتَّ بَيْنَ أَوَائِلٍ وَأَوَاخِرِ

أَمَّا فُؤَادُ فَهْوَ زَيْنُ شَبَابِهَا … وَفخَارِهَا فِي وَجْهِ كُلِّ مَفَاخِرِ

مِنَ قادَةِ الرَّأْي الأُولى بِنُبُوغِهِمْ … فَتَحُو لِمِصْرَ فُتُوحَ عَهْدٍ زَاهِرِ

الجَاعِلِينَ الْقَصْدَ مِنْهاجاً لَهُمْ … وَالصَّادِقِينَ عَنِ الطَّرِيقِ الْجَائِرِ

رَجُلٌ شَأَى إِقْرَانَهُ بِمَنَاقِبَ … فِي النَّابِهِينَ مِنَ الرِّجَالِ نَوَادِرِ

ذُو نَظْرَةٍ طَمَّاحَةٍ وَشُجَاعَةٍ … تَرْتَاضُ بَيْنَ مَصَاعِبَ وَمَخَاطِرِ

مَعَهَا إِذَا عَبَسَ الزَّمَانُ بَشَاشَةٌ … وَبِهَا إِلى الأَحْدَاثِ لَفْتَةُ سَاخِرِ

إِنْ تدْعُ دَاعِيَةُ المُرُوءَة تَلْقَهُ … ذَا جَانِبٍ وَافَى المُرُوءَةَ وافِرِ

مَا اسْطَاعَ يَذْخُرُ لِلبِلاد مَنَافِعاً … وَلمَا يرُدُّ عَلَيْه لَيْسَ بِذَاخِرِ

الحَزْمُ فِي تَقْديرِه وَالعَزمُ فِي … تَدْبِيرِهِ يَمْضِي مَضَاءَ البَاتِرِ

أَضْحَتْ إِدَارَتُهُ لِمَا يَعْنِي بِه … مَثَلاً يُرَدَّدُ فِي الحَديثِ السَّائِرِ

يَعْطِي الْجَلائِلَ وَالدَّقَائِقَ حَقَّهَا … مِنَ جَهْدهِ الْمُتَلاحِقِ الْمُتَظَاهِرِ

سَيَّانَ فِيه بَيَاضُ صُبْحٍ تَغْتَدي … طَلْبَاتُهُ وَسَوَادُ لَيْلٍ سَاهِرِ

عَجَبٌ إِحَاطَتُهُ بِكُلِّ مُهِمَّةٍ … وُكِلتْ إِلى ذَاكَ الذَّكَاءِ الْبَاهِرِ

لا عَيْنُه تَسْهُو وَلا تُخْفَى عَلى … ذَاكَ الضَّمِيرِ مُخبآتُ ضَمَائِرِ

أَعْمَالُهُ شَتَّى يَسُوسُ أُمُورَهَا … لَبِقاً وَلا يَلْفِي شَتِيتَ الْخَاطِرِ

صَافِي البَدَاهَةِ مَا تَرَاهُ وَاقِفاً … فِي أَزْمةٍ تَشْتَّدُ وَقْفَةَ حَائِرِ

لا يَسْتَقِرُّ نِطَاقُ دَائِرَةٍ بِه … حَتَّى تَهَادَاهُ عدَادُ دَوَائِرِ

فَتَرَاهُ بَيْنَ مَزَارعَ وَمَصَانعَ … شَبْهَ النِّظَامِ لَعِقْدهَا المُتَنَاثِرِ

يَهْدي الأُولى يَبْنونَ نَهْضةَ قَوْمهِ … وَهْوَ الْمُعَلِّمُ فِي مِثَالِ التَّاجِرِ

حَسبَ المَعَارِضُ أَنْ تَكُونَ مَدَارِساً … بِالجَمْعِ بَينَ مَنَافع وَمَفَاخِرِ

هَلْ كَالتَّعَارُفِ ضَابِطٌ وَمُؤَلَّفٌ … لِلْعُنْصُرِ المُتَنَاكِرِ المُتَدَابِرِ

وَمُبْصِر لِلناسِ فِي أَرْزَاقِهِمْ … بِمَوَارِدٍ تُجْلى لَهُمْ وَمَصَادِرِ

لا حُبَّ يَعْدِلُ حُبَّهُ أَوْطَانهِ … فِي بَاطِنٍ مِنْ أَمْرِه أَو ظَاهِرِ

حَقِّقْ مَرَامِيَهُ الكَثِيرَةَ لا تَجِدْ … فِيهَا سِوَى الغرَض النَّزِيهِ الطَّاهِرِ

يَبْغِي الْعَزِيزَ مِنَ الْمُنى لِبِلاده … بِرَجَاءِ مُعْتصِمٍ وَيَأْسِ مُغَامِرِ

وَلقد يَجُوبُ الأَرْض لَيْسَ مُبَالِياً … فِي غَامِرٍ تَجْوَابُهُ أَوَّ عَامِرِ

فَإِذَا مَرَاكِبُهَا الْعِجَالُ اسْتُبْطِئَتْ … كَانَتْ مَطِيَّتُهُ جِنَاحَ الطَّائِرِ

مَاذَا أُعَدِّدُ مِنْ مَنَاقِبَ جَمَّةٍ … تَسْمُو حَقِيقَتُهَا خَيَالَ الشَّاعِرِ

شِيَمٌ أُتِيحَ لَهَا لِتَبْلُغَ تَمَّهَا … مِنْ أَحْصَفِ الأُمَرَاءِ أَشْرَفُ نَاصِرِ

عُمْرُ الَّذي أَعْيَا الْحِسَابَ فَلَمْ يَسَعْ … تَعْدادَ آثارٍ لهُ وَمَآثِرِ

قِيلٌ يُدَوِّي الشَّرْقُ فِي تَمْدَاحٍه … بِصَرِيرِ أَقْلامٍ وَجَهْرِ مَنَابِرِ

فِي كُلِّ مَحْمِدَةٍ وَكُلِّ مَبَرَّةٍ … أَجْرَى هَوَاهُ إِلى مَدَاهُ الآخِرِ

فَاهْنَأْ فُؤَادُ بِعَطْفهِ وَبِلُطْفِ مَا … أُوتيتَ مِنْ نِعَمِ المَلِيكِ الْقَادِرِ

أَوْلاكَ أَسْنى رُتْبَةً يَبْلُو بِهَا … مَعْنَى الإِثَابَةَ فِي طِرَازٍ فَاخِرِ

بِالْحَقِّ أَهْدَاهَا وَضَاعَفَ فَضْلَهُ … إِنْ كَانَ مَشْكُوراً بِصُورَة شَاكِرِ