من أين لى معدٍ على الأيّامِ – الشريف المرتضى

من أين لى معدٍ على الأيّامِ … ومعالجٌ فيهنّ طولَ سقامى ؟

أو ضامنٌ لى أن أعمرّ ساعة ً … والموتُ من خلفى ومن قدّامى

مالي بما تَقضي اللّيالي طاقة ٌ … يا صاحِ فى نقضٍ ولا إبرامِ

عصف الرّدى بأقاربى وأصاحبى … والتفَّ بالآباءِ والأعمام

واجتثَّ إخوانى معاً وقبائلى … واجتذّ نبعى تارة ً وثمامى

وأباتنى صفرَ الأناملِ من أخٍ … آوى إليهِ أوْ أبلُّ أوامى

وأَرى منَ الأقوام لمّا أنْ مُحُوا … بيدِ الرَّدى ما حلَّ في أقوامي

كم ضلّ عنّى ما أحاول واهتدى … داري الذي لم يجرِ في أوْهامي

وأتى النّجاحُ فتًى وما أنْ سامهُ … ومضتْ بخيبتِها يدُ المُستامِ

هل نحنُ في الأيّامِ إِلاّ معشرٌ … صمٌّ بلا فهمٍ ولا إفهامِ

وكأنّنا فيها نحزُّ جلودنا … حَزَّ المُدى لحماً على أوْضامِ

نُهوى وِصالَ مَلولَة ٍ قطَّاعة ٍ … ونريد مثوى غيرِ ذاتِ مقامِ

وأريدُ لي فيها دواماً كاذباً … ما تمَّ في أحدٍ وأينَ دوامي؟

والمرءُ في هذي الحياة مُحكِّماً … يمناهُ بين تصاممٍ وتعامِ

فى أسرِ تقتيرٍ مكانَ تكرّمٍ … أو قهرِ إقدامٍ مكانَ تحامِ

وتقوده ذلاًّ وصغراً مذقة ٌ … من خائلٍ أو ودقة ٌ لجهامِ

ولنا النُّهى وكأنَّنا في غفلة ٍ … فى هذه الدّنيا من الأنعامِ

نبكى على الدّنيا ومنها دهرنا … فالجفنُ منها أو عليها هامِ

ورضاعها لادرّ درُّ رضاعها … فهو البليّة ُ فى جوار فطامِ

وكأنّما العمرُ الطّويلُ إذا انقضى … طيفٌ رأَتْه مُقلة ٌ بمنامِ

ويغرُّني فأظنُّ أنّي خالدٌ … ما طال أو ما امتدَّ من أعوامي

وإذا وُعظتُ بمن أُصِبتُ من الورَى … فحمامُ كلِّ العالمين حمامى

كم ذا فرجتُ شدائداً ودفعتُها … بالرّمحِ آونة ً وبالصّمصامِ

ورقيتُ في الآدابِ كلَّ ثنيَّة ٍ … وعلَوْتُ في الأطلاب كلَّ سَنامِ

حتّى إذا أمَّ الحِمامُ زيارتي … لم يُنجِ إِسراجي ولا إِلْجامي

لا بدّ للسّارى دجًى من وقفة ٍ … والنّاطقين بنا من الإرمامِ

والصّاعدين على الورى فوق الرّبى … من أن يحطّوا عن ذرا الأعلامِ

ومُصيبة ٍ غطَّتْ عليَّ بصيرتي … ورمَتْ ضياءَ جوانحي بظلامِ

وغفلتُ عنها والرَّزايا زُوَّرٌ … ساحاتِ أيقاظٍ وربعَ نيامِ

وتسلَّمتْ وَسَنَ الكَرى من مُقْلَتي … وتناولتْ خَفْضي منَ الأيّامِ

وتقطَّعتْ عِصَمي وكانَ حلولُها السْـ … ـسّببَ القوى َّ إلى انحلالِ نظامى

ولقد هفا قلبى بها ولعثرة ٌ … بالقلبِ تُنسي عَثْرة َ الأقدامِ

قلْ للوزير وقد حسا من حرّها … لمّا أتَتْهُ غيرَ كأسِ مُدامِ:

حوشيتَ من حزنٍ عقيبَ مسرّة ٍ … فينا ومن نقصٍ بُعَيَد تمامِ

وإذا خطاك الدّهرُ لم يجتزْ بما … لا نَرتضيهِ فما عليهِ مَلامي

وإذا التوتْ عن ساحتيك صروفهُ … عَفواً فقد فُزْنا بكلِّ مَرامِ

وإذا بقيتَ مُسَلماً فَلَهيِّنٌ … مَن باتَ حَشْوَ جنادلٍ وسِلامَ

وإذا صححْتَ منَ الكُلومِ فدعْ بنا … من شئتَ مجروحاً بكلّ كلامِ

وإذا السَّراة ُ تَخصَّصَتْ وتمنَّعَتْ … فدعِ الشَّوى تُرمَى بأيِّ سِهامِ

فاصبرْ لها وإِنِ ارتَمَت فطالما … يَزدادُ في اللأْواءِ صبرُ كِرامِ

وإِذا جزعْتَ فكيفَ يصبرُ معشرٌ … ما فيك ليس بهمْ من الأحلامِ ؟

ولربّما أثمَ الحزينُ ولم تزلْ … فينا عرى َّ الكفِّ من آثامِ

أنت الذي لمَّا نزلنا شِعْبَه … لُذْنا بهَضْبَيْ يَذْبُلٍ وشَمامِ

وإِذا تقاسَمتِ الرِّجالُ وكانَ في … قسمٍ فذلك أوفرُ الأقسامِ

وإذا احْتَبى فعلى السَّكينة ِ والنُّهى … وإذا اختطَى فإلى المحلِّ السّامي

ومكارمٌ مشكورة ٌ حين افتدتْ … فينا طويلَ لزامها بلمامِ

وليسلَ عنه إنّ آخذه الّذى … أَخَذَ الشُّبولَ ردى ً منَ الضِّرغامِ

صَبراً صبرتُ، وفي يديك زِمامي … أنّى حللتَ من البلادِ خيامى

وبحسبِ ما ترجو قعودِيَ وادعاً … وبحسبِ ما تَخشى يكونُ قيامي

وضربتُ منك بحدّ عضبٍ قاطعٍ … لمّا ضربتُ من الورى بكهامِ

لا تنكرنْ ميلى إذا ما ملتُ بى … صعبٍ يلمُّ وأنتَ فيه دعامى

فجميعُ أعضاءِ الرّجالِ تصرّفاً … طولَ الزّمانِ توابعٌ للهامِ

كلُّ الوصائلِ يقتطعن على الفتى … إلاّ وصالَ محبّة ٍ وغرامِ

يا آلَ عبّاسٍ ومَن لولاهُمُ … كنّا بلا سرجٍ على الإظلامِ

إنْ يمضِ منكمْ شيخكمْ فلفحلكمْ … باقٍ لكمْ ولنا على الأعوامِ

وليلهَ عن ماضٍ ثاوٍ ثوى … وليسلَ عن نهرٍ ببحرٍ طامِ

وإذا ذَوى غصنٌ فلا جزعٌ وقدْ … أبقى لنا الأصلَ الأشمَّ السّامى

لم يمضِ عنّا مَن مضَى وظلامُهُ … لِتَهجُّدٍ ونهارُهُ لصيامِ

صلّى الإلهُ على الَّذي قَنَصَ الرَّدى … وعلى ثراهُ تحيَّتي وسَلامي

ولتبكِ فيه غدوة ً وعشيّة ً … فى كلِّ يومٍ عينُ كلِّ غمامِ

فلقد مضى صفرَ الحقيبة ِ من قذًى … عريانَ من دنسٍ وثوبِ حرامِ

أرضَى بطاعتِهِ الصَّباحَ ولم يكنْ … يوماً عليه ملامة ٌ لظلامِ

فلقلَّ فيه رعاية ً لحقوقهِ … ما سيَّرتْ أو سطَّرَتْ أقْلامي