ممالكُ الشرقِ، أم أدراسُ أطلالِ – أحمد شوقي
ممالكُ الشرقِ، أم أدراسُ أطلالِ … وتلك دولاته، أم رسمها البالي؟
أَصَابَها الدهرُ إلاَّ في مآثرِها … والدهرُ بالناس من حالٍ إلى حال
وصار ما نتغنَّى من محاسنها … حديث ذي محنة ٍ عن صفوه الخالي
إذا حفا الحقُّ أرضاً هانَ جانبُها … كأنها غابة ٌ من غيرِ رئبال
وإن تحكَّم فيها الجهلُ أسلمها … لفاتكٍ من عوادي الذل قتَّال
نوابغَ الشرقِ، هزُّوهُ لعلّ به … من الليالي جمودَ اليائس السَّالي
إن تنفخوا فيه من روح البيانِ، ومن … حقيقة ِ العلمِ ينهضْ بعدَ إعضال
لا تجعلوا الدينَ باب الشرِّ بينكمُ … ولا محلَّ مباهاة ٍ وإدلال
ما الدينُ إلا تراثُ الناس قبلكمُ … كلُّ امرىء ٍ لأبيه تابعٌ تالي
ليس الغلوُّ أَميناً في مَشُورته … مناهجُ الرشدِ قد تخفى على الغالي
لا تطلبوا حقّكم بغياً، ولا صلفاً … ما أبعدَ مصلحة ٍ ضاعت بإهمال
كم همَّة ٍ دفعتْ جيلاً ذرا شرفٍ … ونومة هدمتْ بنيانَ أجيال
والعلمُ في فضله، أَو في مفاخِره … ركنُ الممالكِ، صدرُ الدولة ِ الحالي
إذا مشتْ أمّة ٌ في العالمين به … أبى لها اللهُ أن تمشي بأغلال
يقِلُّ للعلم عندَ العارفين به … ما تقدر النفسُ من حبٍّ وإجلال
فقفْ على أهله، واطلبْ جواهره … كناقدٍ ممعنٍ في كفّ لآل
فالعلم يفعل في الأَرواح فاسدُه … ما ليس يفعل فيها طِبُّ دجَّال
ورب صاحبِ درسٍ لو وقفتَ به … رأيت شبه علم بينَ جهّال
وتسبق الشمسَ في الأَمصار حكمتُه … إلى كهولٍ، وشُبّانٍ، وأَطفال
زيدانُ، إني مع الدنيا كعهدِك لِي … رِضَى الصديقِ، مقِيلُ الحاسدِ القالي
لي دَوْلة ُ الشعر دونَ العصر وائِلَة ٌ … مَفاخِري حِكَمي فيها وأَمثالي
إن تمشِ للخير أو للشر بي قدمٌ … أشمِّرُ الذيلَ، أو أعثرُ بأذيالي
وإنْ لَقِيتُ ابنَ أُنثى لي عليه يد … جحدتْ في جنبِ فضلِ الله أفضالي
وأشكر الصنع في سري وفي علني … إن الصنائع تزكو عند أمثالي
وأَتركُ الغيبَ لله العليمِ به … إن الغيوب صناديقٌ بأقفال
كأرعنِ الدَّيرِ إكثاري وموقعه … وكالأَذانِ على الأَسماع إقلالي
رثَيْتُ قبلك أَحباباً فُجِعْتُ بِهم … ورحتُ مع فرقة ِ الأحبابِ يرثى لي
وما علمتُ رفيقاً غير مؤتمنٍ … كالموت للمرءِ في حلٍّ وترحال
أرحتَ بالك من دنيا بلا خُلقٍ … أليس في الموت أقصى راحة البالَ؟
طالت عليك عوادي الدهر في خشنٍ … من التراب مع الأيام منهال
لم نأْتِه بأَخٍ في العيش بعدَ أَخٍ … إلاَّ تركنا رُفاتاً عندَ غِربال
لا ينفعُ النفس فيه وَهْيَ حائرة ٌ … إلا زكاة ُ النهى ، والجاهِ، والمال
ما تصنع اليومَ من خيرٍ تجده غداً … الخيرُ والشرُّ مثقالٌ بمثقال
قد أَكمل الله ذيّاك الهلالَ لنا … فلا رأى الدهرَ نقصاً بعدَ إكمال
ولا يزلْ في نفوس القارئين، له … كرامة ُ الصحفِ الأولى على التالي
فيه الروائع من علمٍ، ومن أَدبٍ … ومن وقائعِ أيامٍ وأحوال
وفيه همة ُ نفسٍ زانها خلقٌ … هما لباغي المعالي خيرُ منوال
… أنّ الحياة بآمالٍ وأعمال
ما كان من دُوَلِ الإسلام مُنصرِماً … صورته، كلُّ أيامٍ بتمثال
نرى به القوم في عزٍّ وفي ضعة ٍ … والملكَ ما بينَ إدبارٍ وإقبال
وما عَرَضْتَ على الأَلبابِ فاكهة ً … كالعلمِ تُبرِزُه في أَحسنِ القال
وَضعْتَ خيرَ رواياتِ الحياة ِ، فضَعْ … رواية َ الموتِ في أُسلوبِها العالي
وصفْ لنا كيف تجفو الروحُ هيكلها … ويستبدُّ البلى بالهيكل الخالي
وهل تحنُّ إليه بعد فرقته … كما يحنُّ إلى أوطانه الجالي
هضابُ لبنانَ من منعاتكَ اضطربتْ … كأن لبنانَ مرميٌّ بزلزال
كذلك الأرضُ تبكي فقدْ عالمها … كالأُم تبكي ذهابَ النافعِ الغالي