ما القلبُ في إثْرِهم بمختطَفِ – ابن الرومي
ما القلبُ في إثْرِهم بمختطَفِ … ولا بذي صبوة ٍ ولا كلِف
سلوتُ عن خِطة الخليط وعن … مرتبَع منهم ومخترفِ
إن محلَّ الأنيس بعدَهُمُ … للمرء ذي السنِّ شرُّ معتكَف
وصلُ الغواني صبا الشباب وغش … يان المعاني حقّاً صبا الخَرِف
فعدِّ عن ذكرهم وعن دِمنٍ … بمَدرجٍ للرياح منتسَف
ما رعينا عهدَ كلِّ خائنة ٍ … قاسية ٍ غير ذاتِ منعطف
تحميك معروفَها الممنَّع بال … بخل ولينَ المردِّ بالصَّلف
بيضاء قد شيف خَلْقُها وأبى … مذموم أخلاقها فلم يُشَفِ
تضمَنُ عن وجهها ومخبرِها … حُسنَ رُواءٍ وقبح مُنكشَف
منَّاعة ٌ نَيْلها المحبَّ وما … تنفكُّ من صدِّها على خففِ
من اللواتي إذا ظفِرن بنا … أنزفن ألبابنا سوى نُزَف
حُكَّمن فينا فما عدَلن وإن … عُدِّلن بين الجفاءِ والقَضف
كم من دموعٍ سفحنها هدرٍ … ومن دماءٍ سفكنها ظلف
بكل أحوى أحمَّ في حوَرٍ … وكل أقنى أشمَّ في ذَلف
مضى أوان الصبا وحينُ البِطا … لات وهذا أوانُ مصطَرِفِ
ولائمٍ أنْ حللتُ شاهقة ً … تزلُّ منها الوعول عن قنَف
لم ير لي خلّة ً تُعاب سوى ال … خَلة أو رغبتي عن الحِرف
صدقُ يقينٍ أن لا مقدِّر لل … أرزاق إلا مخلِّقُ النُّطف
قلتُ وقد لام في القناعة بال … مجد وحلفِ المعاش ذي الشظف
همُّ رجال العلا تنافسُهم … فيها وهم الحمير في العلف
ما سرَّني اللؤم والغضارة ُ في ال … عيش بديلاً بالمجد والقَشَف
لي عفة ٌ حسبُ من تكون له … من الغنى غُفَّة ٌ من الغُففِ
كأن كفِّي بها مملَّكة ٌ … دجلة َ تسقي منابتَ السَّعف
ما قصَّر العسر بازدلافي لل … مجد مُشيحاً في كل مزدَلف
أرِقَّ مالي ولو أشاء لأص … بحتُ وأمسيتُ منه في كَثَفِ
إني أعافُ الخبيث يعلمُه ال … لَّه إذا ما الخبيثُ لم يُعَفِ
أطمحُ كالنَّسر في السُّكاك ولا … أخْلدُ إخلادَه إلى الجيف
شاد لي السُّورَ بعد توطئة ال … أسِّ أبٌ قال أنت للشرف
وأبذل البلغة َ الكفاف من ال … قوت إذا ما المستضيف لم يُضف
أبني البناء الذي يقيم على ال … دهر ويُودي خَوَرْنقُ النجف
وأرتجي أن تدوم لي دِيمٌ … من عارض في السماء ذي وَطَف
أعني أبا الصقر أنه ملك … في منصبٍ للعيون مشترف
من معشر فيهم السماحة ُ وال … حلم وفيهم قَعاقع الحجَف
أرْكبَه الله ذروة ً تمكتْ … من شرفٍ من يكن بمرتدفِ
يا راكباً نحوه ليسأله … يمِّمْهُ واحرف بكلِّ محترف
ولا تَشُحَّنَّ أن تُشاركَ في … جدواه فالبحرُ غيرُ منتزف
بلِّغه مدحي فإنه كَلمٌ … يفْعَمه مسْكُه ولم يُذَف
من قولِ علاَّمة له لججٌ … يغرق فيهن صاحب النُّتف
قلْ لأبي الصقر قولَ ذي سددٍ … قرطسَ بالحقِّ غرَّة الهدف
يا أيها السيد الذي اعترفتْ … له الصناديدُ كلَّ مُعترَف
أصبحتَ يُطريك كل مضطغنٍ … منحرفٍ عنك كلَّ منحرَفِ
أنطقه فضلُك المبرِّز بال … حقِّ فأداه غير مُعتنَف
وأصدقُ المدح مدحُ ذي حسد … ملآن من بغِضة ٍ ومن شنَف
أنت الذي أخصبتْ رعيتُه … حتى شكا البُدْنَ صاحبُ العَجف
واتسق النَّظمُ في النظام به … فائْتلف الشملُ كلَّ مؤتلف
وأنصف الظالم المظلَّمَ فال … عصفورُ جارُ العقاب في لَجَفِ
تكد للمجد كدحَ مجتهدٍ … أو لمحلِّ النعيم والترف
ما زلتَ تسعى لكلِّ صالحة ٍ … وإن تكلَّفتَ أثقل الكُلفِ
تجري إلى كل غاية ٍ شَططٍ … وتنتوي كلَّ نية ٍ قَذفِ
يا مُحييَ الشعرِ والسماح وقد … كانا جميعاً مُضَمّنَي جَدف
أدْعَى كتابٍ إلى الجميل وأوْ … عاه لما يُشتهى من الخُرف
يا مُبرىء الحِسبة التي سَقُمتْ … بل التي أشرفتْ على التَّلف
دوايتَ أدواءها وقد دنِفتْ … حيناً من الدهر أيَّما دنفِ
براجح الوزن من سَراة بني ال … عباس يقفو مذاهب السَّلفِ
أبلجُ يجلو بضوء غُرَّته … ونور تقواه حالكَ السُّدفِ
إذا رأى وجهه ومنصِبه … ضنَّ بذاك الجمال والشَّرف
فعفَّ عن كل ما يشينهما … وكفَّ أحكامه عن الجَنَف
ينهاه عن مَأثمٍ تُقى ورعٍ … فيه وعن مَدْنسٍ نُهي أَنفِ
له ذكاءُ الفتى وقد كمُلتْ … فيه على ذاك حُنكة ُ النَّصفِ
ممَّن إذا الغمر رَام مغمزه … لم يؤتَ من قسوة ٍ ولا قصفِ
يغدو شديداً على المُريب وتَلْ … قاه لمن تاب ليِّن الكنفِ
يذعَرُ بالهيبة الهزبر ويس … تَنْزِلُ بالعدل أعْصَمَ الشَّعف
فلو يرى هَدْيَه النبيُّ أو ال … عباسُ قالا بوركتَ من خلف
كم قائلٍ صادقٍ وقائلة ٍ … لمن يخاف العداء لا تخف
إن مقام المظلومِ عند أبي ال … عباس أضحى مقام مُنتصِفِ
شمَّر للقوت وهو من ذَهبٍ … عزّاً وللنقد وهو من خزفِ
فأوسع الفاسدين مصلحة ً … في غير إثمٍ هناك مقترفِ
ونكِّل الباعة التي عَمَرتْ … تجمع بين التطفيف والحشفِ
وأنكر النُّكر بعدما اكتنَت ال … فتنة ُ في فتكها أبا دُلفِ
يفديه آمينَ كلُّ ملتحِفٍ … على الخيانات كلَّ ملتحَفِ
واسعدْ به أيها الوزير فقد … أُعطيتَه طاهراً من النطف
قلَّدك اللَّه منه لؤلؤة ً … كم صانها عن سواك بالصَّدفِ
قلَّدتَهُ أمَرنا فقام به … غير أخي لُوثة ٍ ولا لفَف
ومثلُك اختار مثله وكذا … من كان بالمسلمين ذا لطف
أقسمتُ ما في الذي تسوس به الدْ … دين ومُلكَ الملوك من وكَف
كلأَ ولا سرت بالرَّعية في ال … وَعْث فأتعبْتَها ولا الظَّلف
بل أنت ذو السيرة التي قصدت … قِدماً وحادتْ عن كلِّ معتسَف
وهكذا سيرة ُ الجواد إذا … لمْ يؤتَ من هُجنة ٍ ولا قرف
يختلف الناسُ في سواك وما … تُوجدهم موقعاً لمختلف
أنت الذي أجمعتْ جماعتهم … أنك من لا يشولُ في الكفَف
جمعت ما يجمع الوزير فما … تنفكُّ من حاسدٍ على أسف
إرْبٌ يُكاد العدى به وندى … يَقْرنُ بين القلوب بالألفِ
ذهبتَ بالدَّهْى والسماح معاً … والناسُ من ذاك وذاك في طرفِ
وأنت كالبحر لا كِفاء له … في بُعْد غورٍ وقُرب مغترفِ
وحلمُك المنقِذُ النفوسَ إذا … أشرفن من معطَبٍ على حَففِ
أنْسيتنا جودَ حاتمٍ وحجى … عمرو الدواهي وحلم ذي الحنفِ
ولو تبذَّلتَ للحروب للألْ … فيتَ شبيهاً بالليثِ ذي الغَضفِ
لا سَبِط الخطو في المَهارب حا … شاك ولكن في كل مُزدَحف
خذْها مديحاً كأنَّه وُشُح الدْ … دُرِّ إذا ما جرتْ على الهَيَف
أحلى مذاقاً على اللسان من الشْ … هَدِ بماء الغمام في الرَّصف
مدحٌ رأى أنك الكفيُّ له … فلم يجد عنك وجهَ منصرَف
وكلُّ مدح يقال فيك إلى التْ … تقصير أدنى منه إلى السَّرَف
نُهدي لك الشعرَ ثم نحقرُهُ … وإن غدا من نفائس التُّحف
لأنه ليس فيك من بِدع ال … أشياء كلاًّ ولا من الطُّرف
ولا نرى أنه يَزيدك في … مجدك من مُتْلدٍ ومطَّرف
ما يرفع الشعرُ أو يشرِّف من … بدرٍ بزُهر النجوم مكتنف
ينزل من مجده وسؤدَدِه … بين قديم وبين مؤتنف