لَم أَصحُ مِن لَذَّةٍ لا لا وَلا طَرَبٍ – صريع الغواني
لَم أَصحُ مِن لَذَّةٍ لا لا وَلا طَرَبٍ … وَكَيفَ يَصحُ قَرينُ اللَهوِ وَاللَعِبِ
نَفسي تُنازِعُني اللَذّاتَ دائِبَةً … وَإِنَّما اللَهوُ وَاللَذّاتُ مِن أَرَبي
كَم لَيلَةٍ بِتُّ مَسروراً وَمُغتَبِطاً … جَذلانَ مُنغَمِساً في اللَهوِ وَالطَرَبِ
إِذا دُعيتُ إِلى لَهوٍ أَجَبتُ وَإِن … لَم أُدعَ لِلَّهوِ وَاللَذاتِ لَم أُجِبِ
وَشادِنٍ قالَ هاكَ الكَأسَ قُلتُ لَهُ … هاتِ اِسقِني مِن نِتاجِ الماءِ وَالعِنَبِ
فَقامَ يَسعى إِلى دَنٍّ فَسَلَّلَها … حَمراءَ بِكراً لَها عَشرٌ مِنَ الحِقَبِ
مَحجوبَةً عَن عُيونِ الناسِ لَيسَ لَها … في غَيرِ بَيتِ بَني ساسانَ مِن نَسَبِ
كَأَنَّها وَصَبيبُ الماءِ يَقرُعُها … دُرٌّ تَحَدَّرَ مِن سِلكٍ عَلى ذَهَبِ
لَم يَغذُها بِمَصيَفِ القَيظِ بائِعُها … وَلا غَذاها بِحَرِّ الشَمسِ وَاللَهَبِ
كانَت ذَخيرَةَ دِهقانٍ يَضِنُّ بِها … مَكسوبَةً مِن حَلالٍ غَيرَ مُكتَسَبِ
يُدعى أَباها وَيُغذاها فَيا عَجَبا … مِن اِبنَةٍ صَيَّروها غَذيَةً لِأَبِ
كَأَنَّما ضُمِّنَت مِسكاً يَفوحُ بِهِ … أَو عَنبَرَ الهِندِ أَو طيباً مِنَ السَخَبِ
يَكادُ أَن تَتَلاشى كُلَّما مُزِجَت … في الكَأسِ لَولا بَقايا الريحِ وَالهَبَبِ
مُميتَةٌ لِهُمومِ القَلبِ مُحيِيَةٌ … لِلبِشرِ نافِيَةٌ لِلفِكرِ وَالوَصبِ
يَسعى بِها مُخطَفُ الأَحشاءِ مُختَلَقٌ … قَد تَمَّ في حُسنِ تَركيبٍ وَفي أَدَبِ
لا شَيءَ أَحسَنُ مِنها حينَ نَشرَبُها … صِرفاً وَنَبدَأُ بَعدَ الشُربِ بِالنُخَبِ
لا تُكذَبَنَّ فَلا جودٌ وَلا كَرَمٌ … إِلّا بِكَفَّيكَ يا رَيحانَةَ العَرَبِ
كَم نِعمَةٍ لَكَ لا تَنفَكُّ مُوَجِبَةً … شُكراً وَمِن نِعمَةٍ لَم تَنجُ مِن عَطَبِ
إِذا العِدا أَوقَدوا ناراً لِفِتنَتِهِم … أَطفَأتَها بِزُجاجِ الخَطِّ وَالقُضُبِ
فَمَن يُرِدكَ لِحَربٍ يَجتَنَ عَطَباً … وَمَن أَتاكَ لِبَذلِ العُرفِ لَم يَخِبِ
مُستَذعِنينَ وَمُستَنجِدينَ يَجمَعُهُم … رَجاً إِلَيكَ دَعاهُم غَيرُ مُنشَعِبِ
بَعَثتَ جوداً وَفَضلاً فيهِمُ فَمَضى … لَم يَترُكا كُربَةً تَبقى لِذَي كُرَبِ
وَفي عَدُوِّهِمُ سَيفاً يُحاكِمُهُم … فَقَد أَبَدتَهُمُ بِالقَتلِ وَالهَرَبِ
أَنتَ الأَمينُ الَّذي عَمَّت مَكارِمُهُ … مَن حَلَّ في الأَرضِ مِن عُجمٍ وَمِن عَرَبِ
فَاِسلَم عَلى الدَهرِ وَالأَيّامِ مُحتَفِظاً … مِنَ الكَريهاتِ مَحجوباً مِنَ الرَيبِ
يا زَينَ آلِ قُصَيٍّ وَاِبنَ سَيِّدِهِم … خَليفَةَ اللَهِ يا اِبنَ السادَةِ النُجُبِ
إِنّي أَنا الناصِحُ المُبدي نَصيحَتَهُ … ما شُبتُ نُصحاً بِإِبطالٍ وَلا كَذِبِ
فَاِقبَل مَديحِيَ فيهِم وَاِستَمِع نَسَقاً … في وَصفِ أَغلَبَ مِن أَشعارِ مُنتَخِبِ
ما كَاِبنِ عَمِّكَ في نُصحٍ وَلا أَدَبٍ … مِن ذي قَرابَتِكُم أَو غَيرَ مُقتَرِبِ
يَهوى هَواكَ فَما تَكرَه فَمُطَّرَحٌ … ما قَد كَرِهتَ إِلى مُستَنبَتِ القَصَبِ
فَتىً إِذا هُزَّ في نُصحٍ أُصيبَ لَهُ … صِدقُ السَريرَةِ فيما كانَ مِن سَبَبِ
إِن زِدتَهُ رُتبَةً تَبغي زِيادَتَهُ … في النُصحِ أَعطاكُمُ عَشراً مِنَ الرُتَبِ
لَو كانَ تُبتاعُ أَو تُشرى مَوَدَّتُهُ … لَاِبتاعَها مِنكُمُ المَأمونُ بِالرَغَبِ
فَاِشدُد بِهاشِمَ كَفّاً إِنَّ فَضلَهُمُ … فَضلُ الدَرورِ عَلى مَنزورَةِ الحَلَبِ
ما مِثلُهُم في جَميعِ الناسِ كُلِّهِمِ … لا لا وَكَيفَ يَكونُ الرَأسُ كَالذَنَبِ