ليس أمر المفارقين كأمري – جبران خليل جبران
ليس أمر المفارقين كأمري … أنا في وحشة بقية عمري
كان لي رفقة هم العيش أو أطيب … ما فيه من متاع الفكر
صفوة من نوابغ العلم والآداب … عز اجتماعها في قطر
نزحوا والزمان حرصا عليهم … عالق بعد كل عين بإثر
كل يوم نشر لهم بعد طي … كل يوم طي لهم بعد نشر
وتمر الأيام بي بين تجديد … لقاء وبين تجديد هجر
ما بقائي بعد الأحباء إلا … كمقام الغريب في دار أسر
إن يسؤني حمامهم فعزائي … أن أراهم في الناس أحياء ذكر
بقي الشعر حقبة تحت ليل … أعقبته في مصر طلعة فجر
جاء سام فيها طليعة خير … وتلاه الندان شوقي وصبري
وأتى حافظ فكان لكل … قسطه في افتتاح هذا العصر
أيها الأوفياء ممن أجابوا … داعي البر بابن مصر الأبر
شاعر النيل شاعر الشرق والتخصيص … بالنيل شامل كل نهر
إن يمجده قومه فلهم مجد … به جاز كل بحر وبر
بارك الله في مساعيكم الحسنى … وفي ذلك الشعور الطهر
ليس في أجر ما صنعتم كما توليكم … النفس من كريم الأجر
يا وزيرا أهدى إلى الضاد ما شاء … لها البعث من مآثر غر
كل أمر العرفان ما تتولى … وعلي يرجى لكل الأمر
إن تكن ناصر القديم فما كنت … ضنينا على الحديث بنصر
ليس شأن القديم بالنزر في الفصحى … وشأن الحديث ليس بنزر
بين فرع وبين أصل زكي … هل يتم النماء من غير إصر
أنت أنصفت حافظا دمت من قاض … نزيه ومن وزير حر
جمع آثاره وتمثيلها بالطبع … فضل يبقى بقاء الدهر
إن ديوان حافظ لهو تاريخ … زمان يحويه ديوان شعر
عربي الأسلوب ممتنع سهل … له في النهى أفاعيل سحر
مستيعر من الحلى ما أعار الله … فصحاه في حكيم الذكر
صاغت الفطنة البديعة فيه … أنفس الدر في قلائد تبر
حيث قلبت ناظريك تجلت … للقوافي فيه مطالع زهر
ورياض من المحاسن زينت … بالأفانين من غراس وزهر
فيه من سر مصر ما لا يجاريه … بيان بلطف ذاك السر
قلبها نابض به ومعين النيل … منه يفيض في كل بحر
جود الشعر حافظ كل تجويد … وصفاه في أناة وصبر
لم يعقه تأخر العصر عن شأو … حبيب في عصره والمعري
وإلى ذاك لم يكن في بديع … النظم إلاه في بديع النثر
صاغ ما صاغه مقلا مجيدا … شأن من ينتقي فريد الدر
فإذا استنشد القوافي في حفل … لله دره أي در
يخفق المنبر الذي يعتليه … كخفوق القلوب في كل صدر
برع البارعين بالنطق والإيماء … والصوت بين خفض وجهر
ذاهبا آيبا يواجه أو يلوى … فصيح الأداء فخم النبر
صائلا في المجال كرا وفرا … يأسر اللب بين كر وفر
ولقد يسرد الحديث فينشي … صحبه بالسلاف من غير وزر
يؤثر المولعون بالخمر منهم … ما سقاهم على عتيق الخمر
عد عن تلك في المزايا وقل في الجود … أو في الوفاء أو في البر
واشد بالإباء والحلم والعزة … في العسر والندى في اليسر
كان ذاك الفقيد من أكرم الخلق … بأخلاقه وليسوا بكثر
رجل وافر المروءة لا يعتد … إلا للمحمدات بوفر
ويحب الحياة ملأى جهودا … كل أسبابها بواعث فخر
يا مليكا كأن مهجة دنياه … حنانا عليه مهجة مصر
كاشفته بسر ما هرمت فيه … وما زال في صباه النضر
خلق طاهر وخلق سري … ونوبغ يهل من وجه بدر
شرفت حافظا رعايتك العيا … وفيها للذكر أنفس ذخر
فكأني بقطرة من ندى الرحمة … تحيي رميمه في القبر
وكأني به من الغيب يملي … فتعيد الأصداء آيات شكر
عاش فاروق سيدا ومليكا … وعزيزا لمصر أطول عمر
ورعاه الله الكريم وأولاه … إذا ما استعانه كل نصر