ليالي الجائعين – عبدالله البردوني
هذي البيوت الجاثمات إزائي … ليل من الحرمان و الإدجاء
من للبيوت الهادمات كأنّها … فوق الحياة مقابر الأحياء
تغفو على حلم الرغيف و لم تجد … إلاّ خيالا منه في الإغفاء
و تضمّ أشباح الجياع كأنّها … سجن يضمّ جوانح السّجناء
و تغيب في الصمت الكئيب كأنّها … كهف وراء الكون و الأضواء
خلف الطبيعة و الحياة كأنّها … شيء وراء طبائع الأشياء
ترنو إلى الأمل المولّي مثلما … يرنو الغريق إلى المغيث النائي
و تلملم الأحلام من صدر الدّجا … سردا كأشباح الدجا السوداء
هذي البيوت النائمات على الطوى … توم العليل على انتفاض الداء
نامت و نام اللّيل فوق سكونها … و تغلّفت بالصمت و الظلماء
و غفت بأحضان السكون و فوقها … جثث الدجا منثورة الأشلاء
و تلملمت تحت الظلام كأنّها … شيخ ينوء بأثقل الأعباء
أصغى إليها اللّيل لم يسمع بها … إلاّ أنين الجوع في الأحشاء
و بكا البنين الجائعين مردّدا … في الأمّهات و مسمع الآباء
ودجت ليالي الجائعين و تحتها … مهج الجياع قتيلة الأهواء
يا ليل ، من جيران كوخي ؟ من هم … مرعى الشقا و فريسة الأرزاء
الجائعون الصابرون على الطوى … صبر الربا للريح و الأنواء
الآكلون قلوبهم حقدا على … ترف القصور و ثروة البخلاء
الصامتون و في معاني صمتهم … دنيا من الضجّات و الضوضاء
و يلي على جيران كوخي إنّهم … ألعوبة الإفلاس و الإعياء
ويلي لهم من بؤس محياهم و يا … و يلي من الإشفاق بالبؤساء
أنوح للمستضعفين و إنّني … أشقى من الأيتام و الضعفاء
و أحسّهم في سدّ روحي في دمي … في نبض أعصابي و في أعضائي
فكأنّ جيراني جراح تحتسي … ريّ الأسى من أدمعي و دمائي
ناموا على البلوى و أغفي عنهمو … عطف القريب ورحمة الرحماء
ما كان أشقاهم و أشقاني بهم … و أحسّني بشقائهم و شقائي