لك يا وليد تحية الأحرار – جبران خليل جبران

لك يا وليد تحية الأحرار … كتحية الجنات والأطيار

أقبلت وجهك بالطهارة أبلج … والوقت طلق والربيع مدبج

آيات حسن لم يكن مظاهرا … للسعد فيك ولا ضربن بشائرا

لو كان بيت إمارة لك منبتا … لألت الدنيا ولادك من فتى

ولقال راج أن يثاب بما افترى … تلك العلائم في السماء وفي الثرى

لكن ولدت كما أتيح وما درى … أحد الأنام لأي أمر قدرا

سر ولك ابن لأنثى بولد … سر لهذا الناس يكشفه الغد

عن سائم بين الرعية ضائع … أو كوب ماحي الكواكب ساطع

ما حكمة الرحمن فيك أتنجلي … عن آخر في القوم أم عن أول

فلئن سموت إلى مقام إمارة … يوما فعيسى كان طفل مغارة

وأحق ما حق العلاء لنائل … ما نلته من همة وفضائل

ما لي وما لأبيك أطرئة فما … هي شيمتي وأبوك لا يعنيه ما

وهو السعيد بأن أمك أهله … ألمزدهي عجبا بأنك نجله

فسرور كل مهنإ بك لم يكن … إلا بذاتك إن تعز وإن تهن

يرجون أن تحيا وإن لم تنبغ … لا يبتغون لك الذي قد تبتغي

أمنية الآباء لا يعدونها … وهي التي للطفل يشهدونها

وسوى الحياة من المنى يدعونه … لله يقضي في الوليد شؤونه

فهو الذي يعلي العلي القادرا … وهو الذي يضع الوضيع الصاغرا

إن شاء جاء الطفل في ميقاته … فشأى بني أوطانه ولداته

أو شاء خالف وقته فذكاؤه … كلظى الحريق شبوبه وضياؤه

ولقد شفى منا قدومك حسرة … وأقر أعين والديك مسرة

حيث الرياض تظاهرت بهجاتها … فتفتقت مسرورة مهجاتها

فجميعكم متهلل في كمه … متناول ألبانه من أمه

ألأم تغذو طفلها من ضرعها … والأرض تغذو أمه من زرعها

فعلام من دون الأزاهر أتهما … أبواك يا هذا الصبي وإن هما

أي القسوس أتى النبات فزوجا … بعضا ببعض منه كيما ينتجا

هل ساجع الأيكات حين يغرد … في ذلك الريش الملون سيد

وهل الرياح يعيبها أن تحملا … نسم الهوى الدوري من ذكر إلى

ومن الذي يرمي السوابح بالخنا … ويرى مناسلة السباع من الزنا

هن استبحن إناثهن بلا نهى … والمرء فرق باختيار بينها

سن العفاف كما ارتآه فضيلة … ودعا الخلاف نقيصة ورذيلة

ناط الزواج بصيغة تتعدد … أشكالها عدد الطوائف يقصد

فإذا اصطفى ما شاء من أعراضها … وجرى على المرعي من أغراضها

قالوا أتى نكرا ونكر قولهم … لولا تبجحهم ولولا طولها

دفع ادعاءهم وأبطل زعمهم … زمن طوى تحت الغباوة ظلمهم

يا طفل قلب طرفك المترددا … أو ما ترى شبحا عبوسا أسودا

هذا أساء إليك قبل المولد … وجنى عليك جناية المتعمد

زعم الإله يريد مثلك مذنبا … من يومه ومعاقبا ومعذبا

تالله إن تنظره نظرة مغضب … تزهقه إرهاق الشهاب لغيهب

لكن أراك تبش بشة سامح … وأراك ترمقه بعين الصافح

رسل المسيح الشاربين دماءه … الآكلين بلا تقى أحشاءه

أفذبحكم ذاك الذبيح لفدية … أم تلك مأساة تعاد لكدية

ما أجمل الصلاح منكم خلة … ما أبشع الظلام منكم فعلة

الله أوحى فكرة هي دينه … فمن اهتدى هي نوره ويقينه

نزلت على الفادي الأمين الشافع … كلما ثلاثا تحت لفظ جامع

ألحب في المعنى العميم الكامل … معنى المراحم والفداء الشامل

والعدل يقضي بالخراج لقيصرا … والصفح عن كل يسيء من الورى

ألقى مبادئها وكلا خولا … تعليمها ونفى الرئاسة والعلى

وأرادكم لتعلموا وتبشروا … وأرادكم لتسامحوا ولتغفروا

فنذرتم لله بطنا مشبعا … ويدا إذا مدت فكيما تجمعا

وزهدتم في غير ما ترضونه … ورغبتم عن كل ما تأبونه

وقسمتم دين المسيح مذاهبا … تستكثرون مراتبا ومناصبا

ومضيتم في الغي حتى نلتم … في بعض وهمكم الجنين وقلتم

فلئن يكن في الخلق خلق طاهر … فالطفل تمثال العفاف الظاهر

أفما كفى ذاك الرهينة للردى … ما سوف يلقاه من الدنيا غدا

يا من عرفت وكان قسا صالحا … عدلا كما يرضى المسيح مسامحا

متجردا عن عزه وشبابه … وهناء عيشته ولهو صحابه

يهدي الأنام بقوله وبفعله … مسترشدا في الريب حكمة عقله

متجنب التحريم فيه حيثما … تنبو قوى الإدراك عنه فربما

متوفرا للخير جهد نشاطه … يفنى ولا يفني قوى استنباطه

مترديا مسحا كثيفا شائكا … مخشوشنا يجد اللذاذة فاركا

قم من ضريحك بالبلى متلففا … واخز الطغاة المفسدين وقل كفى

لا تنقضوا بيتا لدى تكوينه … وحذار من يتم الصغير بدينه

هذي المذاهب كلها دين الهدى … كأشعة الشمس افترقن إلى مدى

يا طفل إنك للفضيلة معبد … فلديك أركع بالضمير وأسجد

أجثو وأرجو ضارعا متخشعا … منك ابتساما أجتليه ليقشعا

فلقد صفحت تكرها وتطولا … عمن أبوا الأذى لك والقلى