لك في الأرض والسماءِ مآتمْ – أحمد شوقي

لك في الأرض والسماءِ مآتمْ … قام فيها أَبو الملائِكِ هاشمْ

قعد الآلُ للعزاءِ، وقامتْ … باكياتٍ على الحُسين الفَواطم

يا أَبا العِلْيَة ِ البَهاليلِ، سَلْ آ … باءك الزُّهرَ: هل من الموتِ عاصم؟

المنايا نَوازلُ الشّعَرِ الأَبـ … ـيضِ، جاراتُ كلِّ أسودَ فاحم

ما الليالي إلا قِصارٌ، ولا الدُّنـ … ـيا سوى ما رأيتَ أحلام نائم

انحسارُ الشفاهِ عن سنِّ جذلا … نَ وراءَ الكرى إلى سنِّ نادِم

سنة ٌ أَفرحَتْ، وأُخرى أَساءَتْ … لم يدم في النعيم والكربِ حالم

المَناحاتُ في مَمالِكِ أَبنا … ئكَ بدرية ُ العزاءِ قوائم

تلك بغدادُ في الدموعِ، وعمّا … نُ وراءَ السَّوادِ، والشامُ واجم

والحِجَازُ النبيلُ رَبْعٌ مُصَلٍّ … من رُبوعِ الهُدى ، وآخرُ صائم

واشتركنا، فمصرُ عبرى ، ولبنا … نُ سَكُوبُ العيونِ باكي الحمائم

قمْ تأملْ بينك في الشرق زينُ التـ … ـاجِ، مِلْءُ السَّرِيرِ، نورُالعواصم

الزكيّون عُنْصُراً مثل إبرا … هيمَ، والطيبون مثل القاسم

وعليهم إذا العيونُ رمتهم … عُوَذٌ من محمدٍ وتَمائم

قد بنى الله بينهم فهو باقٍ … ما بنى الله ما له من هادِم

دبَّروا الملكَ في العراقِ وفي الشا … مِ، فسَنّوا الهدى ، ورَدّوا المظالم

أمنَ الناسُ في ذراهم، وطابت … عربُ الأرضِ تحتهم والأعاجم

وبنوا دولة ً وراءَ فلسطـ … ـينَ، كعابَ الهدى ، فتاة َ العزائم

سَاسَها بالأَناة ِ أَرْوَعُ كالدا … خل، ماضي الجنانِ يقظانُ، حازم

قبرصٌ كانت الحديدَ، وقد تنـ … ـزل قضبانهُ الليوثُ الضراغم

كره الدهرُ أن يقومَ لواءٌ … تُحْشَر البيدُ تحتَه والعماعِم

قم تحدثْ أبا عليٍّ إلينا … كيف غامرتَ في جوار الأراقمُ؟

لم تبال النُّيوبَ في الهامِ خشناً … وتعلقتَ بالحواشي النواعمِ

هاتِ حدثْ عن العوانِ وصفها … لا تُرَعْ في التراب، ما أَنا لائم

كلُّنا واردُ السَّرابِ، وكلٌّ … حمَلٌ في وَلِيمَة ِ الذئبِ طاعم

قد رجوْنا من المغانم حَظّاً … ووَرَدْنا الوَغَى ، فكُنَّا الغنائم

قد بَعثْتَ القضية َ اليومَ مَيْتاً … رُبّ عظمٍ أَتى الأُمورَ العظائم

أَنتَ كالحقِّ أَلَّف الناسَ يَقظا … نَ، وزادَ ائتلافهم وهو نائم

إنما الهمّة ُ البعيدة ُ غرسٌ … متأتي الجنى ، بطيءُ الكمائم

ربّما غابَ عن يدٍ غَرَستْهُ … وحوته على المدى يدُ قادم

حبَّذا موْقِفٌ غُلِبْتَ عليه … لم يقفهُ للعربِ قبلك خادم

ذائداً عن ممالكٍ وشعوبٍ … نُقِلتْ في الأَكفِّ نقلَ الدراهم

كلُّ ماءٍ لهم، وكلُّ سماءٍ … مَوْطِىء ُ الخيلِ، أَو مَطارُ القَشاعم

لِمَ لَمْ تَدْعُهم إلى الهمّة ِ الشَّـ … ـماءِ والعلمِ والطِّماحِ المُزاحم؟

وركوبِ اللجاجِ وهي طواغٍ … والسمواتِ وهيَ هوجُ الشكائم؟

وإلى القطب والجليدُ عليه … والصّحارى وما بها من سمائم؟

اغسلوه بطيِّبٍ من وَضوءِ الرُّسلِ، … كالوَرْدِ في رُباه البواسم

وخذوا من وِسادِهم في المُصَلَّى … رُقْعة ً كَفِّنوا بها فرعَ هاشم

واستعيروا لِنعشِه من ذرى المنـ … ـبرِ عوداً، ومن شريفِ القوائم

واحملوه على البراق إن اسطعـ … ـتم، فقد جلّ عن ظهور الرواسم

وأديروا إلى العتيق حسيناً … يبتهلْ ركنه، وتدعو الدعائم

واذكروا للأَمير مكَّة ، والقصـ … ـرَ، وعهدَ الصفا، وطيبَ المواسم

ظمىء الحرُّ للديار، وإن كا … ن على منهلٍ من الخلد دائم

نقِّلوا النعشَ ساعة ً في ربا الفتـ … ـح، وطوفوا بربِّهِ في المعالم

وقفوا ساعة ً به في ثرى الأقـ … ـار من قومِه وتُرْب الغمائم

وادفِنوه في القُدس بين سُليما … ن وداودَ والملوكِ الأَكارم

إنما القدسُ منزلُ الوحي، مغنى … كلِّ حَبْرٍ من الأَوائل عالم

كنفتْ بالغيوب، فالأرضُ أسرا … رٌ مدى الدهرِ، والسماءُ طلاسم

وتَحلَّتْ من البُراقِ بطُغرا … ءَ، ومِن حافر البُراقِ بخاتم