لعمري لقد أنكرتَ غيرَ نكيرِ – ابن الرومي
لعمري لقد أنكرتَ غيرَ نكيرِ … عُبُوسُ الغواني لابتسام قَتيرِ
كذا هن لا يوقعنَ وُدًّا على امرىء ٍ … أطارت غُراباً عنه كفُّ مُطيرِ
وللشَّيب جَهرٌ والشبيبة طُرة ٌ … وليس جَهيرٌ في الصِّبا كطَريرِ
عزاؤك عن ظبيٍ طَرير فإنه … بعينيك إذ شيَّبتَ غير غرير
رأيت حياة َ المرءِ بعد مشيبه … إذا زاول الدنيا حياة َ أسير
خليليَّ هل من نُهية الشّيب عائضٌ … لمعتاضهِا من حَبْرة ٍ وحَبير
وبنتِ نعيم في ضبابة عنبرٍ … تفورُ وطوراً في عَجاجِ عَبير
برَهْرهة ٍ لم تُغْزَ إلا بناعمٍ … ولم تُسقَ من ماءٍ بغير نَمير
مضمّخة اللَّباتِ تحسب نحرها … من المسك والجاديِّ نحر نَحير
محجّبة ٌ تحتل عليا خَوَرْنقٍ … تشارف أنهاراً خلال سَدير
سَقَتْني بعينيها وفيها وَدَلها … خُموراً لها ليستْ خمور عَصير
من الظّبياتِ العاطيات لمُجتنِي … ثمار قلوب لا لحَبِّ بذير
تُغيرُ على الجَلْد اللبيبِ فتستبي … حِجاه ولم تحمل سلاحَ مُغيرِ
بدرٍّ نثير من حديثٍ تحفُّهُ … بآخر في سِمطين غير نثيرِ
تبسَّمُ عنهُ في الدُّجَى فكأنما … يُضيء الدُّجى منه بروقُ صَبيرِ
أفيما يُفيدُ الشيب من واعظِ النُّهى … وفاءٌ بهذا في حكومة ِ زير
أبى ذاك إلا كلُّ شهمٍ مشمِّر … لها من مجازٍ واعتنى بمصير
طوى مدة ً من دهره ذاتَ زُخرفٍ … إلى أبدٍ ذي سُندسٍ وحرير
بمنزلة ٍ لا لغو فيها سوى الذي … بها من غناءٍ مُطربٍ وزَمير
أرانينُ طيرٍ لا تزال مَليَّة ً … بكرِّ هَديلٍ تارة ً وصفير
ألا تِلكُمُ الدار التي حل أهلها … بناءٍ عن الخطب المخوف شَطير
خفيرُهمُ فيها من الشر كلّه … خفيرٌ إليه أمرُ كلِّ خفير
لهم ما اشتهوا فيها مسوقاً إليهمُ … مَقوداً إذا شاؤوا بغير جرير
وليست بها شمسٌ فكل زمانهم … غدوٌّ وإصالٌ بغير هجير
بلى كلُّ شمسٍ فوق خوطٍ مهفهفٍ … على دِعصِ رملٍ يزدَهيكَ وثير
وعيشٌ بلا موتٍ وكل ملذة ٍ … يفوز بها الملتذُّ غير مَضير
أناخ بهم في الأمن خوفٌ أراهمُ … كأنهمُ يمشون فوق شفير
نهتهم به أحلامهم أن يثابروا … على عملٍ للعاملين مُبير
وإن ابن إبراهيمَ حقاً لمِنهمُ … وإن كان للسلطان أيّ ظهير
فتى يُتقَى في السلمِ حشوُ دواته … كما يُتقى في الحرب حشو جفير
يرى الحائنون الموتَ يصرف نابه … إذا بعث الأقلامَ ذات صرير
إذا ما أثارَ الحقَّ بعد آدِّفانه … بتحصيله الشافي فأيُّ مُثير
له حُلم لقمان الحكيم فإن طغا … سفيهٌ فخلفُ الحلم صولة ُ شيرِ
وما ظنُّ راجٍ ما لديه بكاذبٍ … ولا مخُّ راع في ذَراه برير
بكيرُ العطايا للعُفاة وإنما … حميدُ نباتِ الأرض كلُّ بكير
ينيلُ بلا وعدٍ إذا النيْلُ لم يكن … بغير وعيدٍ قبله وهَرير
فتى لا يُنسيه الفعالَ اتِّكاله … على تاج مُلك سالف وسرير
ولكنه يبني على إرثِ من مضى … جهيراً من البنيان فوقَ جهير
أبا الحسنين العلم والجود لاتزلْ … بنعماءَ ما قامت هضابُ ثبير
كَناكَ بها لا بالحسين مُسلِّم … إليك رِقابَ الود غيرَ مُعير
معظِّمُ قدرٍ منك جدِّ مُعظَّم … مُكبِّر شأن منك جدِّ كبير
أبتْ لك أنْ تكنى بحسنٍ مُصغَّرٍ … محاسنُ ما مقدارُها بصغير
وقد علم الأقوامُ أنك مُكملٌ … لك الحسنُ في مرأى ً وغيبِ ضمير
وما الحسن إلا شيمة ٌ مستقلة ٌ … بتبصير ذي جهلٍ وجبر كسير
وأنت الذي لا ينكُر الناس أنه … هُدى ً لأخِي جوْرٍ غِنًى لفقير
تُعظِّمُ من شكر الصديق حقيره … وتَحقرُ من جدواك غير حقير
لك الدهرَ معروفٌ شهيرٌ وإنما … تُحب من المعروف كلَّ ستير
وما أعجبَ المعروفَ تستر فِعله … ولستَ تراه الدهرَ غير شهير
إذا زارك العافُون كان إيابُهم … إيابَ بشيرٍ لا إيابَ نذيرِ
ولو قعد العافون عنك لَزارهم … نوالُك من تِلقاءِ خَيرِ مُزيرِ
كأن الذي يغشى جنابك نازلٌ … على روضة مَوْليَّة وغدير
نداك لهم رهنٌ مدى الدهر كله … بأخضر رِبْعيِّ النبات نضير
فهنأك الله الفضيلة مِنحة … ولا زلت في خيرٍ يزيد وخِيرِ
وهنأك الله الذي أنت أهلُهُ … برغم العدى من رأي خير أمير
أمير رأى فيك الذي ليسَ مُشكِلاً … ووافقه في ذاك خيرُ وزير
لعمري لقد جَلّى بعين جلية ٍ … من القوم نظّارٌ فقيد نظير
تأمل أين الفهمُ والحزم والتقى … لباغي سفيرٍ فوقَ كل سفير
فأبصرها فيك الموفّق كلّها … فولاك ما ولاك غير نكير
ولما عزمتَ الظّعن كي تفصل التي … عصتْ كلّ طب بالأمورِ خبير
رحلتَ على اسم الله أيمنَ رحلة ٍ … وسرتَ على اسم الله خيرُ مسير
على ثقة من ناصر الدين أنه … سينصرُ منك الحقّ خيرَ نصير
فألفاك ميمونَ النقيبهِ كالذي … عُرفتَ به في أول وأخير
ظللتَ له بالغيبِ عيناً يُديرها … فأيتما عينٍ وأيُّ مدير
ولما توسطت الأمور كفيتَها … وأقبلتَ محموداً بوجه بشير
ولولاك لم تُعدَم دماءٌ ممارة ٌ … سُدًى من قتيل طائح وعَقير
إذا ولَعاق العاملين عن الحيا … عوائقُ بالسلطان ذات ضرير
ولكن نهيتَ السيف عن سَطواته … بيُمنك فارتد ارتداد حسير
وبدَّلتَ خبط العالمين هداية ً … وقد يهتدي أعمى بنور بصير
وما كان إصلاحُ الأمور التي التوتْ … فداويتها من دائها بيسيرِ
ولكنّ من والى الإلهُ مُيسَّر … له بأقلّ السعي كلُّ عسير
ولم تُمتَهن لكنك المرء لم يزل … مُعِدّاً لعِيرٍ تارة ً ونفير
فتنفِر في النّفار أيّ محافظ … وتقعد طوراً أيّ حافظ عير
تغيب فلا تنفك شُغل مُذاكِرٍ … وتبدو فلا تنفك نُصب مشير
يَهش لذكراك العدو وإنه … ليُضمر في الأحشاء نار سعير
وقد سُئل الحساد عنك بأسرهم … فقالوا وما حابوا بوزن نَقير
مُهذبُ أخلاقٍ مشرَّف همة ٍ … مثقفُ آراءٍ مُمرُّ مرير
فأعجِبْ بفضلٍ بان حتى استبانه … من الناس قومٌ في غباءِ حَمير
وأعجبْ بفضلٍ بان حتى عنَتْ له … سِباعٌ من الأعداء ذاتُ زئير
وحتى غدا يُثني به كلُّ كاشح … بقول ويتلو قوله بزفير
أطال عليّ الدهر قومٌ بظلمهم … وكم لك من يوم عليّ قصير
فلو كان لي حقُّ تريد قضاءَهُ … لأ لفيتَ قد جاوزته بكثير
ولكنّ ما تُسديه فضلٌ منحتَه … وأنت بترك الفضل غير جدير
إذا كنتَ شمساً نورها من طباعها … فكيف بأن نلقاك غيرَ منير
وكنتَ سحاباً ضاق بالماء وُسْعهُ … فكيف بأن نلقاك غير مطير
أبى الله إلا أن تضيء لحائرٍ … وتَندَى لمستسقٍ إباء قدير
شكرتُ ولم أسأل مزيداً فزدتني … دريراً من المعروف بعد درير
نفحتَ بسيل بعد قَطرٍ وللحيا … سيولٌ بعَقْب القطر ذاتُ خرير
مطرتَ وقد أيبستُ حتى بلّلتني … فعُوديَ ليْن المتن غيرُ هصيرِ
عليه ثمارُ الشكر بين شَكيرِه … فيا حُسنَه حَمْلاً خلال شكير
وقالوا أطلْ في مدحه قلت حسبكم … رِشائيفليس المستقى بقَعير
ألا رُبما قَصَّرتُ في مدح ماجدٍ … وفزتُ بسَجْل من نداه غزير
وما بي غنًى عما لديك ولو غدتْ … مفاتيحُ ما مُلِّكتُ عبءَ بعير
فعِشْ في جوار الله خيرِ مجاوَرٍ … يُجير بك الأحرارَ خيرُ مُجير
يدُ الله من ريب الزمان وقاية ٌ … على خطر للمجد فيك خطير
فما لك عيبٌ غير أنك لم تدعْ … أخا كرمٍ جاراك غير بَهير
وأنك مَنْ أصبحتَ يوماً عشيرهُ … من الناس طُرّاً ذَمَّ كلَّ عشير
مَنحتُكها غراء يقطعُ وَخْدُها … نهار أخي لهو وليل سَمير
وإن لم أقرظْ منك إلا مُقرِّظاً … وإن لم أشِدْ إلا بذكر ذَكير