لئن كنتُ في حفظي لما أنا مودعٌ – ابن الرومي

لئن كنتُ في حفظي لما أنا مودعٌ … من الخيرِ والشر انتحيتُ على عرضِي

فما عِبتني إلا بما ليس عائبي … وكم جاهلٍ يُزرَى على خُلُقٍ محضِ

وما الحقدُ إلا توأم الشكر في الفتى … وبعضُ السجايا ينتسبنَ إلى بعض

فحيثُ ترى حقداً على ذي إساءة ٍ … فثمَّ ترى شُكراً على حَسنِ القرض

إذا الأرض أدّتْ ريع ما أنت زارع … من البذر فيها فهي ناهيك من أرض

ولا عيبَ أن تُجزَى القروضُ بمثلها … بل العيبُ أن تدّان ديناً فلا تَقْضي

وخيرُ سجيّات الرجالِ سجيّة ٌ … توفّيك ما تُسدي من القرض بالقرض

ولولا الحقودُ المستكناتُ لم يكن … لينقضَ وترا آخر الدهر ذو نقض

أميّزُ أخلاق الكرام فأصطفي … كرائمها والزبد يُنْزع بالمخضِ

وأتركُ أخلاقَ اللئام لأهلها … وأرفضها مذمومة ً أيما رفض

وأُبقي على عِرضي من الطَّيخ إنه … إذا طيخت الأعراض لم تَنقَ بالرحض

وإني لبرٌّ بالأقارب واصلٌ … على حسدٍ في جُلِّهم وعلى بُغض

ولم أقطع الأدنى مخافة َ شينه … ومني سَمارا كان أو غيره رُضّي

وإني لذو حلمٍ وجهلٍ وراءه … فمن كان مُختلا رضيتُ له حمضي

ولولا عُرام في الفتى فُلَّ حدُّه … ولولا ذُباحٌ في المهند لم يَمض

أسوغُ لخلاَّني مساغَ شرابِهِمْ … ويلقاني الأعداءُ كالحنظل الغضِّ

ولولا إباءٌ في الفتى ومرارة ٌ … لأغضي على أشياء يقذى بها المغضي

وما بي من وَهْن فأرضى بمُسخطٍ … ولا البغيُ من شأني فأسخط ما يُرضي

وفيّ أناة ٌ لا تُفاتُ بفرضة ٍ … لها سيرة ٌ موضوعة ٌ وهْي كالرَّكض

ويُمكنني عِرضُ الرميّ فأرْعوي … وأُبقي ولو أمكنْتُهُ لرمى عرضي

أكفُّ يدي حِلما وفضلَ تكرُّمٍ … وإني لرحب الذرع بالبسط والعضِّ

وإني لليثٌ في الحروبِ مظفرٌ … معارُ أداة َ الهصر بالظفر والعضّ

إذا ما هززتُ الرمح يوم كريهة ٍ … لجمعٍ فذاك الجمع أولُ منفضّ

تضاءلُ في عيني الجموعُ لدى الوغى … وإن هي جاءت بالقضيض وبالقضِّ

وما ضرّ بي الأقران عند لقائهم … بذبٍّ ولا طعني هنالك بالوخض

وما نجمُ رأيي في الخطوبِ بآفلٍ … ولا حينَ تنقضُّ النجومُ بمنقضّ

إذا الخُطة ُ الدهياءُ أكمنَ غيبُها … كمينا مخوفَ الشِّر فارضَ له نفضي

وتُطلعني الأسرار في مستكنِّها … على حركاتِ الحبضِ منهن والنَّبض

بظنِّ كرأي العين لا متقسَّمٍ … ولا حين ترفضُّ الظنونُ بمرفض

تفضُّ خواتيمَ السرائر لمحتي … وخاتمُ أسراري بعيدٌ من الفض

وإني لصبّارٌ على الحق يعتري … ولو كان في صبري له مابرى نحضي

عليمٌ بأن المجد يهزلُ أهله … وأن ليس عن طول الجُسومِ ولا العرض

تواكَلَ عُدّالي ملامَة ماجدٍ … يرى عذل العُدَّالِ في الجودِ كالحض

إذا ضاقت الأخلاقُ أفضتْ خلائقي … إلى سعة ٍ مثلي إلى مثلها يُفضي

وإني لرحّال المطيِّ على الونى … قليلُ مبالاة ٍ بإنضاء ما أُنضي

أبيعُ بمكروه السُّرى لذة الكرى … إذا رويت عين الدّثورُ من الغُمضِ

وما ذاك أنّي بالرفاهة جاهلٌ … ولكن رأيتُ الخفضَ يُلصقُ بالخفضِ

أشدُّ لنيل المجدِ رحلي مُشمِّراً … وهل بعده شيءٌ أشدُّ له غرضِي

ولو شئتُ رويْتُ الجفون من الكرى … وألجأتُ أعطافي إلى جسدٍ بض

وإني لِنضْو المكرماتِ ونِقضُها … على أنني لا أشتكي سأم النَّقض

ولي همة ٌ تطوي إلى الريّ ظَمْأها … عيوفٌ لطَرْقِ الماء والثَّمدِ البرض

إذا ناهضَ العلياءَ قومٌ فقصَّروا … فإني حريٌّ أن يتم لها نهضي

أمُدُّ إلى الطُّولى يداً ذاتَ بسطة … وعين كريم لا يُقال لها غُضِّي