كم فاض في أثر الهلال العاثر – خليل مطران
كم فاض في أثر الهلال العاثر … من مدمع باللؤلؤ المتناثر
واهتز ضوءٌ في الدرارئ خلته … ماءً ترقرق من ألوف محاجر
خطب بجانبه يشح وإن جرى … متداركاً سح الرباب الهامر
ترك الدجى وبكل نجمٍ ثابتٍ … من روعه نظرات طرفٍ حائر
ولكل سيار شعاعٌ سايرٌ … في الغور مهوى كل جدٍ غائر
إن تجزع الزهر الطويل بقاؤها … ما عذر أصحاب المدى المتقاصر
وعلام خوف الموت يسطو آخذاً … بنفوسنا أخذ العزيز القادر
والموت ليس سوى التحول في بنىً … والفصل بعد الوصل بين عناصر
لو يعقل الإنسان لم يأبه لما … تجرى به سنن النظام القاهر
ما الجسم إلا حالة وتصير من … صفقةٍ إلى أخرى بحكم قاسر
وهل الحياة سوى اتصال دائب … في الكون بين مبادئ ومصاير
لكننا نطنا قوانا كلها … دون النهى بنوازع وأواصر
طلب البقاء وحبنا لذاته … سبب التنكر للقضاء الدائر
يا ابن العزيز وأنت ثنيانٌ زكا … ما شاء في فينان نسل طاهر
أسفاً على ذاك الجمال المزدهي … أسفاً على ذاك الشباب الناضر
أسفاً على تلك الرجاحة في الحجى … أسفاً على ذاك الذكاء النادر
بدت النجابة فيه قبل أوانها … فأتت بآيات كسحر الساحر
حتى توسم فيك أكبر شيمةٍ … للأمر كل مخالطٍ ومجاور
لكن دهاك البين في شرخ الصبي … وقضى على الأمل السنى السافر
فإذا بوادر ما رزقت من النهى … كانت لهذا الرزء شر بوادر
وإذا الشمائل كالأزاهر رقةً … عمرن واحرباه عمر أزاهر
وإذا مواعيد الزمان كعهدها … ذممٌ وكلن إلى رعاية خافر
أثكلت مصر وما أبالغ إنني … لم أبد إلا بعض ما في الخاطر
رويت بأدمعها ومل يك تربها … من قبل يسقى بالسحاب الماطر
يا ويحها لما رجعت إزداد من … لجب اللقاء شجى الوداع الآخر
ومشت تشيع قطعة من قلبها … في النعش إذ تمشي بعيد القادر
في مشهد ما قيل في تنظيره … وصفٌ ولم تشهده مقلة ناظر
شملت به الأحزان شعباً حاشداً … لا فرق بين أكابر وأصاغر
ما شق جيباً للفجيعة من تقىً … لكن تحملها بشق مرائر
قاصى المباءة والقريب توافداً … لحفاوةٍ فيها بأكرم زائر
لحفاوة بمجشمٍ عن قومه … هجروا ولم يك روحه بالهاجر
ما قر من شوق إليه قلبه … وعن الكنانة لم يكن بالصابر
واسترعت الدنيا لجانب قبره … أنات ملتاع الجوانح زافر
فلئن وفى ذاك الوفاء فإنه … شأن إلا عزة كابراً عن كابر
ولئن أجلت مصر فيه خطبها … فهو الجدير بحبها المتوافر
أمقدم الفتيان في طلب العلى … ساء العلى إن كنت أول عاثر
جزت الحقيقة في السناء وفي السنى … تنأى لطفاً كالخيال العابر
تجد المحاشر للسرور بها الأسى … وترى عظائمهن جد صغائر
تعدو البهارج كل زورٍ تحتها … وتمر بالزينات مر الساخر
فلعل خيراً من مقام طيةٌ … تنجي من الدهر الخئون الجائر
من يشتري الدنيا ولو بأحب ما … فيها أباءته بصفقة خاسر
أمسيت في عدنٍ وخلفت الأسى … في الأرض ملء جوانحٍ وضمائر
وأرحمتا للثاكليك وكم لهم … ذكرى تحرك من شجون الذاكر
وأساهم البلد الأمين وحزنه … بين الطوايا فوق ما في الظاهر
لا ئيء أجمل من مجملةٍ إذا … صدقت وجاءت من وفيٍّ شاكر
أرثيك يا ولداه بالحس الذي … هو حس مصر وكل قلب شاعر
ولقد ترى وجه اعتذارٍ للأولى … حبسوا الدموع فأنت أكرم عاذر
الخلف أبعد ما نظرت مسافةً … في الشرق بين أسرةٍ وسرائر
لو مت في زمن مضى لعلمت كم … من ناظمٍ فيه وكم من ناثر